أزمـــة القـروض الاستهلاكية مرشحة للتكرار طالما بقيت الدولة على انحيازها للطبقة الغنية (العليا) من المجتمع وعلى غضها الطرف عن احتكارها للسوق العقاري والتجاري والصناعي والحرفي، وفي حال استمرت في سكوتها على تلاعبها في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والسلع الأولى كالسيارات ومواد البناء - في مخالفة للدستور والقوانين - تلتهم أي زيادة في الرواتب والدخل وتحرم المواطن من اي فرصة للادخار وتضع الأساس لاحتياجه للاقتراض ولقدرته المحدودة زمنيا على السداد.
في الكويت يبلغ سعر المنزل البسيط اكثر من 300 ألف دينار، تقرض الدولة المواطن 70 ألفا منها بأقساط معقولة، ويقترض من احد البنوك باقي المبلغ بقسط شهري شديد الارتفاع، فيزيد اجمالي قرضي المنزل على 700 الف دينـــار، فاذا اقترض من احــــد البنوك قرضا استهــــلاكيا فرضته التعديلات الضرورية على البيت الجديد أو السفر للعلاج بالخارج أو تعليم الأبناء او حتى شراء سيارة جديدة فهذا يعني ان اكثر من 80% من دخله سيذهب لسداد ديونه وهي ديون مقابل ضرورات معيشية لا يمكنه الاستغناء عنها، وهكذا فإن فرصة الإعسار أو التعثر قائمة منذ اليوم الذي حاول فيه المواطن توفير سكن متواضع لأسرته.
ان الازمة القائمة بين الطبقتين الاجتماعيتين والحكومة حول معالجة القروض الاستهلاكية في حقيقتها صراع سياسي فــــي المقــام الأول فالطبقة العليا الغنية والحكومة تريان أن في الموافقة على مطالب المقترضين تقليصا من هيمنتهما على القرار الحكومي ومن هيبة الدولة، والمقترضون في حملتهم التي قادتها مجموعة ليست من محترفي العمل السياسي بادروا بخصومة الطبقة العليا والحكومة الحالية، وتجاهلوا الدور الوطني لتجار الكويت والممتد عبر تاريخها ومنذ نشأتها قبل 350 عاما في الذود عنها والإسهام في تطورها وهو ما يقدره الكويتيون تقديرا كبيرا، كما ان خروجهم المتعجل للشارع في تجمعات جماهيرية قبل ان تقول الحكومة رأيها قد أعاد للأذهان تجربة المعارضة المفككة وهي تجربة قاسية ومرفوضة من الدولة والمجتمع مما ساهم في التسهيل على الحكومة وتشجيعها على اتخاذ قرار رفض مطالبهم، وكان استبعادهم لمجلس الأمة وهو الممثل للامة دستوريا والمتحدث باسمها ولا يمكن للحكومة تجاوزه بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير وسهلت على الحكومة رفض مطالبهم في استعجال غير محسوب العاقبة فتوقف المتعثرين عن السداد سيضعها في وضع حرج بين عدم إمكانية إيقاع العقوبة القانونية على هذه الأعداد الكبيرة وواجبها تجاه الدائنين وفرض هيبتها! [email protected]