عبر سنوات نشأة المجتمع الكويتي وخلال تطوره ونمائه وبلوغه النمط العصري كان للطبقة الوسطى في الكويت دور محوري لعبته تحديدا بالمساهمة في نمو الاقتصاد الوطني ومتانته فقد كان منها النوخذة والبحرية والغيص والسيب، وكانت الفروق بينها والطبقة الغنية واضحة المعالم تحددها طبيعة العمل الذي تؤديه وحجم دخل أفرادها (الإنتاج).
أدى اكتشاف النفط والثروات إلى توجه أبناء الطبقة الوسطى للعمل الحكومي لما يكفله من دخل عال وثابت ومنتظم، ومع مسارعة الدولة إلى توزيع الثروة من خلال ما عرف بالتثمين وهو شراء مساكن المواطنين بأضعاف قيمتها الحقيقية وتعويضهم بمساكن بديلة في المناطق النموذجية المستحدثة خارج السور، فقد بدأت الحدود الفاصلة بين الطبقات في التلاشي مظهريا لا حقيقيا وبدا التداخل بينها وبين بعضها البعض ظاهرا على السطح، فالمركبات المستخدمة تشابهت عند الجميع، ولم يعد الملبس يفرق بينهم، وصارت غالبية الكويتيين تسافر في رحلات ترفيهية موسمية، أدى هذا الخلط إلى نشوء نزاع خفي بين الطبقة الوسطى والعليا على التميز، فاصطفت الدولة مع الطبقة الغنية جاعلة إياها المقربة إليها والمؤثرة على قراراتها كما هو الحال عبر تاريخ الدول وفي كل أنحاء العالم، وفي المقابل أخذت الطبقة الوسطى مستندة إلى الدستور والديموقراطية الكويتية بالتصدي للاتفاق غير المعلن بين الاثنين والذي أخذ بالاتساع والتجذر وصار يهدد مصالحها بشكل مباشر بعد تسرب الفساد إليه وتفشيه في كل أركان الدولة ومفاصلها، فتراجعت جودة المشاريع التنموية مما أثر على سلامة البنية التحتية وكفاءتها ومستوى الخدمات.
نتيجة لهبوط أسعار النفط العالمي ولتقصير الحكومات المتعاقبة في إدارة عوائد النفط قبل وأثناء انخفاض أسعاره، ولعدم اهتمامها بتنويع مصادر دخلها فقد تعرضت الدولة لعجز في ميزانيتها دفع بالحكومة إلى مغامرة التلويح بخفض الدعوم المقدمة للمواطنين وفرض الضرائب - دون إعلان نيتها للالتزام بمواد الدستور وتحديدا المادة 24 منه عند التطبيق والقاضية بأن تكون الضريبة وسيلة للعدالة الاجتماعية - مما حدا بالطبقة الوسطى إلى رفض المساس بمكتسباتها أو فرض الضرائب عليها.
في خضم التنازع على كيفية إدارة مقدرات الأمة، برزت إلى السطح إشكالية معالجة ديون القروض الاستهلاكية بعد أن أوشكت الغالبية من المقترضين على العجز عن الوفاء بالتزاماتها، وتصاعد الاختلاف في الرأي بسرعة وبحدة إلى أن اصبح أقرب للمواجهة وللعداء بين الطبقتين الوسطى والعليا التي عارضت تقديم أية تسهيلات للمقترضين في محاولة لإظهار نفوذها على الدولة! ولا يزال الجدل حول معاناة اكثر من 400 ألف مواطن محتدما حتى كتابة هذه السطور.
[email protected]