ما تمر به الكويت اليوم من اضطراب وقلق لم تمر بمثله حتى في أعقاب حل مجلس الأمة حلا غير دستوري عامي 1976 و1986 وما تلاهما من توتر سياسي عنيف وخلاف بين الأمة والقيادة، فقد ظلت الأمة متوحدة تسعى بكل طوائفها وشرائحها لاستعادة الديموقراطية التي فقدتها، وكذلك كان حال المجتمع إبان الغزو موحدا في أهدافه وغايته، وجه الشبه التاريخي الوحيد مع الأوضاع اليوم - ويعود لتشابه الأسباب في الحالتين - كان إبان الحرب العراقية - الإيرانية وما تمخضت عنه من نزاعات مذهبية تسببت بها قناعات دينية مفرطة في الحماسة للتجربة الثورية المذهبية الإيرانية قوبلت بتوجس وخيفة من الغالبية السنية سرعان ما تحولا إلى غضب واتهام بتأثر الولاء للوطن بالولاء للمذهب وللإمام في طهران.
أضافت المعارضة الناشئة التي أطلق عليها - خلافا للحقيقة - معارضة الأغلبية، الطابع الفئوي القبلي كتهديد آخر للوحدة الوطنية، فقد كان قوام جسدها من أبناء القبائل وكانت المعارضة فرصتهم الأولى للخروج من عباءة الطاعة والولاء المطلق للحكم، وأدت حدتها في علاقتها بالنظام وقفزها على الدستور - طمعا في الحكم - إلى انقسام بين مؤيديها من أبناء القبائل والرافضين لمغالاتها من أبناء الحاضرة، بينما التزم الشيعة بموقف المتحفظ تجاهها خاصة وانهم لم يمثلوا في قيادتها، تدريجيا أخذ انقسام المجتمع يظهر على السطح ما بين قبلي متحفز لمصالحه حاد في معارضته اتخذ من نظام الحكم خصما له بدلا من الحكومة، وشيعي يبحث بحذر عن موطأ لقدمه يحقق له بعض المكاسب، وغالبية حضرية مترقبة متوجسة حريصة على الدستور والديموقراطية وعلى ارتباطها بأسرة الحكم مؤمنة بأفضليتها على البدائل التي تطرحها المعارضة باستعجال.
على الجانب الآخر اسهم التخبط الحكومي والتساهل مع الفساد والعجز عن إنقاذ التعليم وسائر الخدمات من التراجع وإغفال معالجة التركيبة السكانية المختلة وأزمة القروض الاستهلاكية والتلميح باللجوء لتطبيق الضرائب وتخفيض الدعوم، أسهمت مجتمعة في زيادة القلق الشعبي، وأضاف له موقف البرلمان حالة من الإحباط واليأس من التغير للأفضل، فقد انحدر أداؤه إلى مستوى غير مسبوق منذ إشهاره في العام 1963 إذ انشغل معظم أعضائه في توسعة قواعدهم الانتخابية وتثبيتها، وزاد انفصاله عن الأمة بعد إعلانه عن تبنيه لمشروع قانون يهدف إلى تجنيس أكثر من 120 ألف من المقيمين بصورة غير قانونية.
كان هذا هو حال الكويت فزادها تشرذما تصاعد التهديد الأميركي بالحرب على إيران بين أقلية رافضة لها وأغلبية ترى ضرورتها للسيطرة على الصلف والغرور الإيراني الذي يهدد امن وبقاء دول الخليج، لنرفق جميعا بها فالكويت قابضة على جمر.
[email protected]