دعوة إيران دول الخليج لعقد اتفاقية عدم اعتداء معها، والتي يحملها مساعد وزير الخارجية الإيراني الذي زار الكويت مؤخرا، جلبت إليّ ذكريات الطفولة في ستينيات القرن الماضي، فقد كان لي ولا يزالون مجموعة من خمسة أصدقاء أنا سادسهم، عشنا طفولتنا وكبرنا معا، أعمارنا متقاربة وبيوتنا شبه متلاصقة وأسرنا تجمعها محبة ومودة، وكنا ولا نزال متفقين في كل شيء وعلى كل شيء حتى وان اختلفنا مؤقتا في بعض شيء، نجتمع عند محل بقالة الحي عصرا بعد المدرسة، صاحبه إيراني الجنسية استأجر بخار (كراج) سيارة أحد بيوت الفريج (الحي) وحوله الى بقالة تحوي كل احتياجاتنا من الكاكاو الانجليزي اللذيذ والحلويات وبطاطس الشيبس والمشروبات الغازية، نجلس على صناديقها الخشبية الفارغة ونقضي معا أجمل أوقاتنا وأسعدها، لم يكن ينغص علينا خلالها ويضطرنا أحيانا للافتراق والعودة مبكرا لبيوتنا سوى أحد أبناء الحي المقابل لحينا ـ وهو حي كبير يفصلنا عنه شارع عريض ـ وكان يكنى بالموذي (أي المؤذي)، فكلما رآنا مجتمعين خاف من مستقبل تجمعنا وأخذ يحذفنا بالحصم (الحصى الصغير الأملس) وأحيانا يرشقنا به بالنباطة (أداة لصيد الطيور)، وقد يكتفي بسبنا والسخرية منا في بعض الأحيان.
في المقابل كان لنا صديق آخر بيته بعيد جدا عن بيوتنا ويكبرنا سنا، قد منحه الله بسطة في جسده فكان ضخما مهابا تكاد عضلاته تمزق الدشداشة (الثوب) وتطل على من حوله تروعهم وتحذرهم من العبث معه، وكانت له سيارة ضخمة لها هدير كهدير الدبابات نسمعه ونحن في بيوتنا فنخرج لاستقباله، ونجلس جميعنا إليه عند الدكان فإذا رآه خصمنا المؤذي أصابه عقر بقر (ذهول ووجوم) وامتنع عن رشقنا بحصمه، وجاء مستأذنا بأدب جم أن يجلس معنا وحتى يأمن غضب صاحبنا البليه (الضخم) وألا نشكوه إليه أو نوزه (نحرضه) عليه، كان يقسم لنا بأنه سيكف عن إيذائنا ويوزع علينا الكاكاو والحلاوة والبيبسي في كرم غريب عليه وعلى طبائعه العدوانية، والحقيقة أنه كان دائما ما يعود عن قسمه ويحنث به.
انقطع حبل الذكريات الجميلة مع صوت مذيع التلفزيون يعلن عن المبادرة الإيرانية، فإذ بي أتصل بتلقائية بصديقنا الضخم أطمئن عليه وأعرف أحواله، فأجابني بعد التحية على تساؤلاتي بثقة واضحة جلية، مؤكدا انه صار أقوى وأضخم من ذي قبل نتيجة التدريب المستمر وحتى سيارته الجديدة وصفها بأنها أكبر بكثير من الأولى وبأن هديرها أقرب لهدير الطائرات المقاتلة عند إقلاعها منه لصوت الدبابة، نظرت إلى أصحابي فإذ بابتسامة عريضة ترتسم على شفاهنا جميعا.
[email protected]