استدعيت في أغسطس 1990 ضمن عدد من الأطباء الكويتيين إلى ما أسماه الغزاة آنذاك بمديرية صحة المحافظة 19 في منطقة الشرق، وزع الزملاء على مواقع عمل مختلفة في البلاد، وفرزت أنا للعمل في مبنى الإدارة، وعلى الرغم من أنهم لم يوكلوا إليّ أي عمل إلا أنهم كانوا حريصين على حضوري يوميا، فقد كانوا يرسلون سيارة إلى منزلي صباح كل يوم بها أحد الحراس بلباس مدني يجلس إلى جانبي ويحكم إغلاق أبواب السيارة التي تنطلق بنا مسرعة إلى الإدارة، كل ما أرادوه هو الظهور بمظهر حضاري أمام الوفود الإعلامية الدولية التي تزور البلاد بين وقت وآخر، واستغللنا نحن جهلهم بالإنجليزية لتمرير ما أردناه من معلومات عن بطشهم واغتيالهم الكويتيين واسرهم في أماكن مجهولة دون مبرر أو محاكمة.
كان مكتبي يطل على مجموعة من مشاغل صياغة الذهب في البنايات المقابلة لنا، وفي احد الأيام توقفت سيارة نقل نزل منها مجموعة من الحرس الجمهوري وأخذوا بكسر أبواب المشاغل واحدا تلو الآخر واستولوا على كل محتوياتها.
بعد استغنائهم عن حضوري اليومي، استدعيت في نوفمبر لاجتماع وصف بالمهم، فذهبت بسيارتي لمقره وإذ بنقطة تفتيش عسكرية تستوقفني ويطلب مني النقيب قائدها مغادرة السيارة والوقوف أمام حائط سور قريب قائلا: «أنصحك إذا إلك رب اتشهد له» لم تفلح محاولاتي في ثنيه عن عزمه فقد اكتشف أني أحمل هوية مزورة (رخصة السواقة)! أغمضت عيناي في استسلام لقضاء الله وأخذت بالتشهد والاستغفار، وسمعت صوت البنادق والجنود يهيئونها لإطلاق النار وأمر الضابط لهم بإطلاق النار، وضجت أذناي بصوت الرصاص يحيط بي من كل جانب، ثم خفتت الأصوات كلها، وأطبق الصمت على المكان حتى ظننت أني قد مت لفرط الهدوء، وبعد دقائق طويلة فتحت عيناي فإذا هم قد ابتعدوا عني يتضاحكون! تحسست جسدي فلم أجد به أي إصابات فقد كانوا يطلقون الرصاص في الهواء، تمالكت نفسي وتوجهت إلى عملي وأبلغت المدير عن سبب تأخري والحادثة فقال لي مبتسما «دا يتشاقون معك دكتور»!
في أحد أيام ديسمبر طرق باب منزلي بقوة فهرعت مسرعا إليه فإذا بمجموعة من العساكر يقودهم ضابط برتبة مقدم بادرني قائلا: «انريد مفاتيح هاي السيارة» مشيرا إلى سيارتي الجديدة، حاولت المراوغة والادعاء بأنها ليست لي إلا أنه كان مصمما على طلبه، وفجأة إذ بابني الأكبر وكان عمره آنذاك 5 سنوات يفلت من يدي والدته ويخرج إلي حاملا سيفا بلاستيكيا يريد الدفاع عني، فالتفت إلي الضابط قائلا «هايه البطل ابنك» فأجبته بإيماءة من رأسي بنعم، فقال لي بلهجة قاطعة «هسه انت اختار ابنك واللا السيارة؟»، فأجبته مسرعا الآن آتيك بمفاتيحها حملت ابني وأنا في غاية السعادة والفخر به وأتيته بمفتاح السيارة ولم تكن خسارة عشر سيارات مثلها لتقلل من فرحي وفخري بطلال.
[email protected]