في مرحلة تغير المفاهيم التي يمر بها العالم هناك مفهوم مهم، وعلى ما أعتقد هو أهم مفهوم يتعرض للتغيير في عصرنا الحالي وهو «الديموقراطية».
تعريف الديموقراطية الذي عهدناه وبشكل موجز هو «حكم الشعب» وأن كل المواطنين ضمن مفهوم المواطنة تحت بند المساواة ولكن في ظل الفترة الحالية وبعد مرور زمن طويل جدا صقل هذه التجربة ودفعها إلى أقصاها هل فعلا كان النظام متطابقا ومتواترا مع التعريف؟
الرذيلة والفضيلة هما القطبان اللذان تدور حولهما السياسات الدولية، ولكن ما مدى تعادل الكفتين خلال النظام الذي عاصرناه وعشناه؟
وهل يستطيع الفرد الكانتي (إيمانويل كانت) المستقل أن يشغل حيزا لصناعة حياة جيدة؟
شهدنا في هذا العصر وفق النظام الحداثي كل أنواع الوساطة والفصل العنصري والتحيز، كما شهدنا أيضا تدمير طبقة من أجل أخرى وتجويع فئة على حساب أخرى، شهدنا ثورات وسقوط ملكيات وشهدنا سياسة الطاولة المستديرة والكثير من الأحداث التي لم ترسخ شيئا من القيم الديموقراطية التي بدأت من أجلها.
الانتخابات كرأس للمنظومة الديموقراطية لم تكن إلا كالاختيار بين ناكر ونكير، فمن خلالها يمكن للفائزين سلب حقوق بقية الشعب بجانب أن «صوت الأغلبية» ليس دائما إثباتا للعدالة، حيث إن معدل تقديم الرذيلة والمنفعة الذاتية يتفوق على تقديم الفضيلة أو المنفعة العامة والحصول عليها من خلال العمل السياسي تحت هذا النظام.
ونحن هنا وتحديدا في الخليج نسير وفق مجتمع عشائري قائم على ثقافة «العوائل» أو «القبيلة»، وفي ظل هذه الوحدة والتماسك بين كل فئة مع بعضها بعضا لا يمكن للديموقراطية أن تستشري بشكل صحيح، فالديموقراطية لا تتطلب التحيز والتماسك، بل تتطلب التفكك لكي تأتي بالعوائد التي توقفنا عن استقبالها منذ سنوات، وكأقرب مثال على ذلك ما يحصل بين النواب الذين ينتمون إلى نفس القبيلة أو العائلة أو الطائفة.
لذلك النظام الديموقراطي وفق المنظومة الغربية ليس فعالا في الدول العربية، مع العلم بأن «السياسة هي فن الممكن»، ومن الممكن أن يتعرض كلامي هذا للنبذ في قابل الأيام.
وفي ختام المقال، قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه عن الديموقراطية: انحلال التماسك وتبادل التعاون وعبادة أوساط الناس وشيوع الفوضى ومقت التفوق والنبوغ.