أمينة العلي
لماذا لا نقرأ؟ هل نحن شعب لا يقرأ فعلا؟ وهل تزداد نسبة الأمية، والأمية الثقافية بصورة خاصة، هل للأحداث والصراعات المؤلمة التي تشهدها المنطقة العربية كلها هذه الأيام والأيام التي مضت علاقة بذلك؟ فتجعلنا نلصق آذاننا بأجهزة الراديو ونفتح ونسمر أعيننا بشاشات التلفزيون؟
إن مشكلة العزوف عن القراءة ترجع في رأيي إلى تكويننا الثقافي منذ الطفولة، معظم أطفالنا لا يتعاملون في بيوتهم مع الكتاب أو المجلة أو الجريدة، وقليلون من الآباء الذين يصطحبون أطفالهم وأولادهم إلى المكتبات ليختاروا لهم الكتب المفيدة أو يشترون هذه الكتب ليقدموها إلى أولادهم في المناسبات كالأعياد باختلاف أنواعها أو التفوق الدراسي والنجاح، أرى أن الطفل يفضل أي لعبة يقدمها له أبواه على أن يهدياه كتابا، وذلك يرجع إلى أن معلمه في المدرسة لم يزرع فيه ألفة وحبا بينه وبين الكتاب ولم يدربه ويعوده على القراءة، مبينا له محاسنها وآثارها في تكوين فكر الإنسان.
لقد اعتدت على القراءة وأنا في سن مبكرة منذ كنت طفلة صغيرة فظلت هذه العادة ترافقني حتى الآن وصارت جزءا لا يتجزأ من شخصيتي وأصبحت القراءة عندي هواية نافعة وممتعة تأسرني وترافقني في كل وقت قبل النوم وبعد الطعام، أما عند اليقظة في الصباح فلا أغادر المنزل حتى ولو كنت متأخرة على موعدي إلا بعد قراءة الصحف على الأقل.
لأنني تعودت على القراءة حتى أصبحت عادة القراءة جزءا مني، وهي ليست ترفا بل هي عمل شاق لذيذ وجهد فكري مكثف لا يقل عن الجهد الذي يبذله الإنسان في الكتابة، لذلك أرى انه لا يجوز أن نقرأ للتسلية وقتل الوقت ولو أن ذلك يحدث معي فقط عندما يصيبني الأرق ويهجرني النوم ويبعد عن جفوني فأتناول الجرعة المنومة وهي عبارة عن مجلة تجذبني لأقرأها وبعدها أغوص في سبات عميق، أما القراءة من اجل المنفعة والثقافة فإنني أعطيها منتهى الجدية والاهتمام واختار الكتاب الشيق المفيد الذي يغني فكري ويثري عقلي وتترك قراءته أثرا عميقا في نفسي، ومن هنا خضت تجربة مع أطفالي جندت فيها كل حواسي وخبرتي كي تنجح هذه التجربة وترى النور، حاولت بكل ما أستطيع جذبهم وتحبيبهم في القراءة بعد أن رأيت عزوفهم عنها، سواء كانت القراءة باللغة العربية أو الإنجليزية وذلك لأنهم يتبعون «المنهج الأجنبي» في دراستهم، لكنني فشلت فشلا ذريعا، وعرضت الأمر على مدرس الفصل في المدرسة وهو بريطاني الجنسية وفكر في كيفية أن ينمي في طلابه وطالباته في الفصل حب القراءة فاهتدى إلى فكرة انه وزع عليهم مجموعة من الكتب وطلب أن يقرأ كل منهم الكتاب الذي يناسبه، وطلب منّا كأولياء أمور أن نكافئ هؤلاء الطلبة بأن نقدم لهم مكافأة مادية وهي دفع مبلغ وقدره عشرة فلوس على كل صفحة يقرأها الطالب أو الطالبة ويفهم معناها، وفعلا رأيت تقدما ملحوظا من الطلبة فهم يتسابقون من اجل الحصول على الكتاب الأكثر عددا في صفحاته وفي البداية كانت القراءة من اجل الحصول على المكافأة المادية ودخلوا في تنافس مع أنفسهم، من سيقرأ أكثر ومن سيقبض أكثر، صحيح نحن أولياء الأمور الذين ندفع، وليست المدرسة ولكنها كانت فكرة جيدة وذكية وممتعة دفعتهم إلى التعود على القراءة حتى انه بعد فترة ليست طويلة رأيت أولادي يطلبون مني اصطحابهم إلى المكتبة لشراء الكتب.
ولم يطالبوني بأجر على ما قرأوا، وأنها تجربة جيدة ومفيدة ومضمونة، أتمنى أن تطبق بأي صورة في المدارس الحكومية حتى يتعود أولادنا على القراءة.