أمينة العلي
بودي لو تيـقظت في صـدور بعضنـا روح المسؤوليـة والثقة بالنفس في تحمل تبعـاتها، فالملاحظ أن كثيرين منا يؤثرون سـبيل الراحـة، حـتى من المشاكـل الوهميـة التي يخلقها لهم خيالهم المصاب بداء الرعب دون مبرر فيهربون من اتخاذ أي قرار ولو بسـيطا مما يضيع على الدولة فوائد كثيرة ويجعل من البيروقراطية ممولا هداما.
أقول ذلك لأسباب، فقـد وفدت علي منذ أيام سيدة كريمة من بلد عـربي وهي صـحـافـيـة بارزة في وطنهـا وترأس تحـرير مـجلة واسـعة الانتـشـار ولم تأت هذه السـيـدة لأغراض السـياحة والترفـيه عن النفس، بل أتت لما هو أهم من ذلك ألف مرة، جاءت من اجل الإطلاع على تقدم الكويتية في جمـيع المجالات والعودة بذخـيرة طيبـة من المعلومات تكفي لكتابة سلسلة من الريبورتاجات ولا جدال في أن مثل هذا الغرض الكريم يلقى غاية الترحـيب في كل بقعة واعية في الدنيــا، فـالإعــلام في بعض الدول يذهـب في بعض الأحيـان إلى حد اسـتئـجار من يقـوم بالدعاية لبـلاده في الخارج فمـا بالك بالصديق الذي يتبـرع بأداء هذه الخدمة دون أي مقابل!
وصلت ضـيفـتي واتصلت بي تلفونيـا وعرفـت أن احد رؤساء التـحرير في بلـد ضيفـتي هو من رشحني لهـا لكي أكون مـعهـا طيلة فتـرة إقامتها، ورغم أنني كنت في ذلك اليوم أكثر من مرهقة بالمهـمات والالتزامات غير أن وطنيتي أبت أن أضيع علـى بلادي هذه الفرصة الدعـائية فـأحسنت وفادة الضيـفة وأفسحت صـدري ووقتي لجميع طلـباتها وقضيت فترة طويلة معـها وأنا أمدها بالمعلومات عن مدى ما وصلت إليه المرأة الكويتية الآن، خـصوصا بعدما دخلت المجلس وأصبـحت عضوا فيـه ومدى الفارق بين مـا كانت عليـه المرأة الكويتـيـة في الماضي ومـا وصلت إليه اليـوم بفضل المؤيدين لها ولحقوقها السياسية.
شعـرت رغم الجهـد العنيف الذي بذلتـه أنني لم أقم إلا ببعض واجبي نحو وطني الذي يحتاج في ظروفه الراهنة إلى كل دعـاية طيبـة في الخـارج لكي يواجه بهـا حمـلات الدعاية المضـادة التي يطلقها أعداؤنا لتسمـيم الرأي العام العالمي وتأليبه على ما يزعمـونه، ولقد آثار اهتمام ضيفتي حـديثي عن المهندسـات في البلدية وكـيف أنهن أصبحن عضـوات في المجلس البلدي، ووجـدتها وهي تصـغي اليّ وترفع حاجبها في غاية الدهشة وتسألني أكثر من مرة عما إذا كنت واثقـة من وجود مـهندسات كـويتيـات عضـوات بالمجلس البلدي، وهل من سبيل لأن تراهن بعينيها وتلتقط لهن صورا تزين بها مقالها عن نهضتنا النسائية.
كان واضـحا أنها تشك في وجـود مهندسات كويتـيات وتريد بأسلوب مهذب أن تتـأكد من الحقيقـة فرأيت أن أوفر لها أسباب الاقتناع بمساعدتها على زيارة إحدى المؤسسات التي تعمل بها مـهندسات، ولعلمي بأن هذه الزيارة ينبغي أن تأتي بعـد أخذ إذن وتصـريح لا مانـع، اتصلت تلفونيـا لضيق الوقت راجـية السماح للصـحافية الضيـفة بزيارة ورؤية بلديـة الكويت ورؤية المهـندسـات فـي مكاتبــهن، مؤكدة على سبيل الاحتـياط أنها تسعى وراء أي معلومات علمية أو فنـية أو اقتصادية، فـاشتغال النسـاء الكويتيات بالأعمال الهندسية الصعبة هو كل ما تطمع في الكتابة عنه للدعاية لنا في مجلتها، المؤسـسة التي اخترتها هي البلدية، والبلدية ليـست مكانا عسكريا أو حربيـا أو صناعيـا حتى يخشى على أسرارنا الكبـيرة أو الصغيرة، بل كـانت مجرد مركز علمي بـحت والآلات البسيطة الموجودة يوجـد مثلها بالآلاف في كل الدول، طلبت الضـيفة الصـحافيـة أن تقوم بأخذ بعض الصور للمهندسات العـاملات لكن طلبها قوبل بالرفض، على الرغم من أن طلبهـا كان من اجل إبرازنا أمام مـواطنيهـا في صورة مـشرفـة، وصل الطلب وهو التقـاط صور للمـوظفات المهندسـات وهن غير رافـضات لذلك إلى الرئيس المباشر، فأعلن أنها ليست مـسؤوليته وأحال الأمر إلى رئيـسه، وظلت ورقـة الطلب تتـصاعـد من رئيس إلى آخر، حـتى وصلت إلى أعلى المسـتويات ومع ذلك وضـعت جميع أنواع العراقيل في طريقـها بحجة الخوف من تسرب أسرارنا، حتى نفد صبري نهـائيا وسحبت كلامي واعتذرت لصاحـبة الشـأن، وبذلك أضعنا على بلادنا فـرصة مـقال دعائي من الدرجة الأولى مدفوع الأجر وبدون مقابل.
والسـؤال الذي لا أجـد له جــوابا هو: أين الأسـرار في تصوير مهندسات في مكاتبهن؟!
هذه التعقيدات السخيفة