الحياة لم تعد كما تعودناها من قبل، لم نعد نعيش ونحيا لنأكل ونشرب وغدا نموت، لم نعد نعيش ونحيا متواكلين دون تدبر لواقعنا وعمل لمستقبلنا، الحياة اليوم مسؤولية تبدأ من إحساسك كرجل يرعى بيتا، ومن إحساسك كأم تبحث عن سعادة بنيها، لذلك يجب أن نؤمن بأن ساعات الحرج التي نمر بها تكون مراجعة النفس لكل شيء فيها ضرورة يتعرف بها الإنسان على مواقع قدمه واتجاه خطاه، ومن المراجعة الجادة أن نعيد النظر في مقومات شخصيتنا الثابتة ومعالمها المتطورة حتى نستطيع أن نعرف حقيقة أنفسنا وننقذ أعماق طبيعتنا، ان ضوءا تلقيه كفيل بأن يقوي من عزائمنا ويشد على أيدينا في محنة نجتازها أو أزمة يحاول البعض أن ينال عن طريقها من إيماننا بأنفسنا وقدرتنا على الخروج منها.
ومن واقع إحساسنا بالمسؤولية ذلك الإحساس العام بمسؤولية بناء المجتمع كله لإنماء فرص الحياة والعمل والمعيشة للمجتمع وحتى نضمن مستقبلا أفضل لكل أفراد مجتمعنا، معنى هذا ان كل أب وكل أم أطفالهما بين أيديهما وديعة من الله، والله يحاسبنا على كل شيء ويحاسبنا على مقدار رعايتنا لأطفالنا بمقدار ما نسعدهم ونعلمهم، والوطن يسألنا عن أطفالنا الذين هم ثروة وشباب وجنود المستقبل والمدافعون عن الوطن، ولكن من منا يرضى لأبنائه بغير السعادة؟! ومن منا لا يتمنى الرقي والمجد لبنيه وبناته؟! غير أن التمني وحده لا يكفي ومسؤوليتنا أمام الله ثم الوطن ليست هي الرغبات والأمنيات، المسؤولية في حقيقتها عمل جاد، أي ان تحول الأمنيات إلى حقيقة تريح ضمائرنا وتبرئ نفوسنا أمام الله ثم الوطن، وتجعلنا في طمأنينة كاملة على مستقبل مأمون للأولاد.
فإذا شعرت كل أسرة بذلك، أمكننا أن ننظر بعين الخيال إلى صورة الغد المشرق المستقر لكل الجيل الجديد، وأمكننا أن نبصر بقلوبنا مجتمعا مزدهرا سعيدا، عندئذ نكون قد ساهمنا في بناء مستقبل عزيز لوطننا ونضمن لأطفالنا مستقبلا سعيدا لا يعرف الاحتياج ولا يتحطم على صخرة متاعب تعترض سبل الحياة وتقضي على المشاكل الخطيرة التي تهدد العلاقات الأسرية بالفشل والانهيار، والتي تنشأ من عدم اعترافنا بالقيم الأسرية التي تبدأ بتكوين نواة الأسرة، لان الأسرة وحدها لا تتبع أحدا ولا تتلقى تعليمات من سلطة عليا، ولا يجوز أن تستوحي شعاراتها إلا من صميم أعماقنا، ولا أن تلتمس الحماية خارج أسوارها، لأن الحياة قاسية بما فيها من شهوات وزخارف وبما فيها من موبقات ومهالك، ولو ترك الشباب للحياة لتقاذفتهم شهواتها وحرفتهم زخارفها ولأودت بهم الموبقات والمهالك ولضاعوا بسبب قسوة الحياة، الشباب هم أمل الأمة، وفي صلاحهم صلاح للوطن، وفي تركهم إفساد للحياة الاجتماعية، وأفضل الأمثلة التي تعنينا في هذا المقام ما كان مصدرها الخير والحق وأصدقها ما جاء به القرآن الكريم، فعلى الشباب أن يأخذوا من دينهم الحنيف وتعاليمه ومبادئه لأنه لا عاصم إلا الدين الحنيف الذي جاء به خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ليصلح به فساد الدنيا وفساد عقائدها.
[email protected]