على مر العصور والأزمان كانت المرأة ولاتزال تلعب دورا في تكوين صيرورة المجتمعات نحو الكمال الحضاري والتقدمي، ولعبت أدوارا مختلفة ما بين الزوجة والأم والابنة والحبيبة والصديقة، والكثير من الفلسفات والأديان والحضارات تناولت تفسير طبيعة المرأة التي لا زالت مبهمة للإنسانية رغم الثورة العلمية التقدمية التي تؤمن بالمادة وأهمية العلم التجريبي في تفسير ظواهر الأشياء.
في ثنائية العلاقة في مباحث العلوم الإنسانية المقسمة ما بين الإنسانية والطبيعية والثورة المعلوماتية وعصر التقنية ووسائل التواصل والسرعة أو بالمعنى الفكري الدقيق «عصر العولمة» وأصبح العالم قرية صغيرة بات مفهوم المرأة مشتتا جدا بين هذين المبحثين، سواء كان عند العامة أم عند النخب من المفكرين والكتاب والفلاسفة، والمعنوي هنا أقصد باب موضوع تفسير المرأة فكريا وفلسفيا وأدبيا، والمظهر أوالمادي هو المبحث التجريبي أو العلمي.
لو يلاحظ القارئ المواكب للحداثة الفكرية التي تصب اليوم في عالمنا عن هذا المناكفة التي برأيي خلقت نوعا ما من الزعزعة والضياع في أوساط وأمصار العالم الشرقي والإسلامي والعربي كون أن أمتنا تمتاز جغرافيا واجتماعيا وتاريخيا عن الكثير من الانطلاقات والمعطيات التي تخالف العالم الغربي بثقافة العولمة التي بات يفرضها بأسلوب الحرب الناعمة الثقافية والاستعمار الفكري.
ولكوننا هنا لدينا خاصية حساسة جدا للدين والمرأة فإن اللعب على أوتار العربدة الفكرية الغربية كانت كفيلة جدا بهز هذين المفهومين المقدسين للشعوب الشرقية والإسلامية، فأولا لو ينظر القارئ الكريم في حركة الاستشراق التي أتت موجتها في القرنين ١٩-٢٠ وولدت حركة فكرية تتناول فيها الكثير والكثير من المغالطات التي مازال أمصارنا تعاني منها إلى وقتنا الحالي، ناهيك عن الهجوم الكاسح من كل حد وصوب على اللغة العربية وعلومها من أجل هدم البنى التحتية والحضارية للأمم العربية والإسلامية.
وبما أن المرأة نصف المجتمع والنصف الآخر هي التي أنجبته اقتباسا من أحد المفكرين، فإن من البديهي جدا أن تلعب دورا رياديا في المجال الثقافي والأدبي والإنساني بشكل عام وأيضا كما يقول أحد السياسيين المعاصرين هاجم المرأة فكريا يختل توازن مجتمع بأكمله! لذلك من المؤسف جدا أن حركة تعليم المرأة وتجوهر فكرها بالتحرر المزعوم في العالم الغربي صار مشتتا ما بين هذين المفهوم فلا هو بين الجوهر المعنوي ولا المظهر المادي!
كمبدأ حضاري وثقافي الإنسان المتوازن لا ينكر أهمية البعد المادي والمظهر حتى بتجلياته العلمية ابتداء من الثورة الصناعية في أوروبا والمذهب التجريبي الفلسفي والحقول العلمية التي هيمنت وبشكل كبير على أمصار الساحة العلمية بالفكر الدارويني ومدارس التحليل النفسي، وكلها تتبنى القيم المادية والحسية، وهذا الأمر جعله علمه مهمه جدا لا يقل أهمية عن العلوم التجريبية ومنها «فلسفة الأخلاق»!
وهنا السؤال الذي يطرح في أدبيات هذا العلم، هل المرأة هي الصانعة الحقيقية لأخلاقيات المجتمع؟ وهل الإسلام برؤيته الشرقية والحضارية اهتم بهذه البلورة مع متلازمات عصر الشطح العولمي؟ لأنه المرأة كونها بالإضافة إلى كونها مخلوقا مجبولا على الجمال فإنه لابد لمساحة جمال الفكر أن تكون حاضنة وحاضرة له، وللقارئ حرية الفهم والتساؤل والاطلاع.