يجب أن يحاكي الفن جميع الطبقات، ولا يصبح محتكرا للترفية والتسلية، ولهذا سينقلك فيلم كفرناحوم للمخرجة المبدعة نادين لبكي من كرسيك الوثير في قاعات السينما إلى الأحياء الفقيرة وحياة المهمشين والمسحوقين في لبنان، قد لا يعرف الكثير الجانب الآخر لكثير من الدول السياحية مثل لبنان.
في عالمنا العربي هناك دوما مجتمع معدم لا يعرف عنه سوى فئات معينة، ومن هنا جاء دور الفن لينقل جميع الناس بكل أطيافهم وفئاتهم وجنسياتهم، لكفرناحوم أي الجحيم والخراب، يسلط الفيلم على عدة قضايا وهي حياة الأسر الفقيرة وإنجابها المستمر للأطفال ومن ثم إرسالهم للعمل في الشوارع ليصرفوا على البيت، وكأنهم يعاقبون فقرهم بمزيد من الأطفال ويدفع الأطفال ثمن أخطاء آبائهم، يتكومون بسرير صغير كجثث صغيرة هامدة، ترسلهم الأم للعمل دون أدنى اكتراث بالتحرشات والجهد البدني على بناتها وأبنائها، الأب سكير لا يفارق كرسيه بالبيت، والأبناء هم من يصرفون على البيت، لا يوجد لهم أي أوراق ثبوتية، يعيشون على هامش الحياة.
ومن ثم يتنقل الفيلم لبعد آخر يتداخل مع القصة وهي زواج الطفلات فور بلوغهن لشباب في أواخر العشرين، وتتوفى تلك الطفلة التي حملت وهي في الحادية عشرة من عمرها، لتنجب أمها طفلة أخرى تعويضا عن التي ماتت، الأمر الذي جعل أخاها الصغير «زين» وهو بطل الفيلم يطعن زوجها، ويذهب للمحكمة يطالب بعقاب أهله الذين أنجبوه لهذه الحياة القاسية جدا والموجعة جدا والتي لم ير بها سوى أنواع من العذابات والويلات.
يتعرف زين في رحلة هروبه من المنزل بعاملة إثيوبية، يستنجد بها لتطعمه فتعطف عليه وتؤويه بمنزلها المتواضع، يرعى طفلها الصغير الذي أنجبته إثر علاقة حب مع حارس عمارة كانت تعمل فيها، وتبرأ أبوه منه ولا يريد الاعتراف به فيعيش معها بشكل سري وغير شرعي خوفا من أن تسجنها الدولة وتأخذ ابنها عنوة.
وهناك شخصية (اسبرو) وهي من يتاجر بالبشر ويهربهم ويبيع أطفال الزنا لأسر مقتدرة، يقوم بجميع النشاطات القذرة بالمجتمع، وهو نموذج بات يتكرر كثيرا في كل مجتمع لاسيما التي تستقبل اللاجئين، والمعروف أن عمليات التهريب في كل دول العالم تتم بكثير من الاحتيال على اللاجئ نفسه والذي عانى الأمرين لجمع آلاف الدولارات ليتم تهربيه بأسوأ الطرق عكس التي صورها لهم المهرب.
رغم أن الأبطال ليسوا ممثلين حقيقيين إلا أنهم أبدعوا، وكثير من الشخصيات صورت معاناتها الحقيقية ولم تمثل، الفيلم رائع بكل المقاييس لأنه أطلق صرخة المهمشين والفقراء والمساكين حول العالم، وأخيرا فيلم عربي يتذكر هذه الفئات المنسية من تاريخ الدراما العربية.
قفلة: سعيدة لأني شاهدت الفيلم بالكويت، ولكن عتبي كان لكثرة كتم الصوت وذلك لورود شتائم ولغة الشارع، وهو الشيء الذي من المفترض ألا يمنع مادام ان المشاهد فوق 18 سنة، ليتعرف على هذه الفئات بشكل واقعي دون كتمان لغة الشارع وان كانت وضيعة.
[email protected]