تعرفت عليه في فترة إعداده للدكتوراه مثابرا مجتهدا يطلب المعالي والرتب العالية.
رافقته منذ ذلك الوقت مع وجود فارق عمري يقارب العقد من الزمن.. ولكن رفقتك للدكتور احمد تسقط معها الفوارق الزمنية لما يتمتع به من تواضع كبير وخلق جم وتبسط بالحديث مع عمق بالمعنى.. فإذا سمعته لا تملّ حديثه من كم الثقافة والفكر الذي يحمله في عقله والفوائد الجمة التي يحويها حديثه وقدرته العجيبة على فلسفة أمور قد تبدو لنا من الصغائر ويرجعها هو الى اصلها وفصلها ويربطها ربطا عجيبا باستدلالات قرآنية تتحدر اياتها من فيه كأنك تسمعها لأول مرة.
كنت اعتبره المنظر لي في قضايا خاصة وعامة، فهو اقدر من يرسم لك الطريق الذي تسلكه بدقة متناهية.. حتى انني في كثير من المشاريع التي عملت بها والمؤسسات التي أدرتها معه أجدني أسير على رؤيته التي رسمها من غير ما أشعر بذلك.
الدكتور أحمد، رحمه الله ،يمتاز بخصلتين تبدوان في الظاهر متناقضتين.. او قد نقول انه يصعب الجمع بينهما.. وهما القدرة العالية في الحديث والإدهاش والإمتاع والقدرة العجيبة والعالية جدا في الانصات.. فضلا عن انه من السهل جدا مقاطعته وهو مسترسل من غير ان يغضب ومن غير ان تنقطع سلسلة أفكاره.. وهذا أرجعه لخلقه الجم ولقدره العالية على تذكر المحاور ضمن تسلسلها المنطقي.
الدكتور احمد حرص منذ بداية تعارفنا ان انتقل معه لمكان عمله الوظيفي، وسعى لي حتى أصبحت واقعا زميلا له في العمل فضلا عن الزمالة والأخوه خارج العمل.. كأن لسان حاله يقول نريد ان نكون قريبين أكثر وتتقارب وتشترك اهتماماتنا أكثر وأكثر لما وجدناه من تفاهم وتقارب فكري.
الحديث عن الدكتور أحمد يطول ويطول وإعجابك به يزيد ويزيد، حتى انه في يوم من الأيام تضايقت من أمر ما فلجأت له أفضفض له لعله يؤازرني ويدعمني ضد من اختلفت معه، والمفاجئة كانت انه بعدما انصت لي طويلا وسمع وجهة نظري كاملة لم يجاملني في حماستي واندفاعي وقال لي بأسلوبه المؤدب وبكل شفافية ان تقديري للموقف خاطئ، وفي الحقيقة هذا الموقف زاده رفعة ومعزة أكثر عندي، فصديقك من صدقك لا من صدقك.
وهنالك مواقف لا يمكن إغفالها لإظهار صلاح الدكتور وصلاح سريرته وانه لا يريد من احد على عطائه وعمله وتفانيه جزاء ولا شكورا.. ففي أحد تلك المواقف الذي حصلت لي معه عندما تقلد عمادة التسجيل بالتطبيقي، حيث أردت وقتها ان أشفع لإحدى قريباتي عنده فقلت لعل وعسى يكون لديه صلاحية لاستثنائها، فكان الرد صارما وحازما فقال لي بالحرف الواحد بومحمد انت اخ وعزيز ولكن كل شي واضح بالشروط المعلنة.. الغريب بالأمر ان إعجابي به يزداد لما أرى من شخصه الذي لا يحابي ولا يجامل، ولم يرد من ذلك إلا ان يرسي دعائم العمل المؤسسي السليم غير المرتبط بالأشخاص.
رحمك الله أبا عبدالرحمن رحمة واسعة وبارك لك في ذريتك وجمعنا بك في الفردوس الأعلى.. واعتذر لك ولمحبيك وأهلك وأبنائك من تقصيري بحقك فالواجب ان أقول فيك اكثر من ذلك، والله المستعان.
awadh67@
[email protected]