الإنجازات العربية الشخصية في التاريخ المعاصر نادرة جدا، وأغلبها لم يخرج من رحم المجتمع العربي، إنما تكون لعربي عاش في الغربة أو على الأقل عاش فترة ليست بسيطة من حياته في الخارج، وغالب الإنجازات التي نسمع فيها في الداخل العربي تكون مجرد أضواء إعلامية الغرض منها تلميع الشخص وهي أقرب للأحلام منها للواقع.
المتتبع لتاريخ السواد الأعظم للشخصيات التي حققت إنجازات على المستوى البشري سيجد أن بيئة المجتمع عامل مهم في إنجازاته، لأن كل الإنجازات البشرية سواء الفردية أو الجماعية مرتبطة بشيئين الإرادة والقدرة، الإرادة تنشأ لدى الفرد من خلال تجاربه وخبراته وبيئته، أما القدرة فهي مرتبطة بظروف الفرد وبيئته والمستوى العلمي والعملي. والبيئة المجتمعية هنا عامل مهم في الإرادة والقدرة، فمتى ما كان الإنسان يعيش في بيئة تسخر له القدرات كانت إنجازاته أضخم وأكبر، والبيئات المشجعة للفرد تجعل إرادته أقوى.
بسبب الظروف والتراكمات التاريخية التي مرت بها المنطقة العربية أصبحت المجتمعات محبطة، فتجد الانتقاد السلبي في كل مكان وأصبح السمة السائدة لها، وابتكرنا مصطلحات وتفننا في التنمر والتندر على كل ما هو مختلف، وهذا انعكس على شخصية الفرد العربي وإرادته، ومن استطاع النجاة من حالة الإحباط السائد في هذه المجتمعات وأصبح بسبب ظروفه الخاصة ذا إرادة قوية لتحقيق الإنجازات يرتطم بعدم المقدرة، فلا يجد بيئة داعمة لتنفيذ إرادته، وتطوير نفسه، وإن وجد سيجد أن هذه الدعم مخصص لطبقات معينة غير محتاجة للدعم أصلا، فلن يستطيع الوصول لهذا الدعم إلا بتعريض نفسه للمهانة حتى يحصل على (واسطة) تؤهله لهذا الدعم أو توظفه في مجال تخصصه الذي سيبدع فيه. وإذا ما نفذ من هذا كله سيحتاج للواسطة في كل ترقية أو دعم آخر حتى يرجع ليصاب بالإحباط كبقية أفراد المجتمع.
الدعم الموجود في غالب الدول العربية موجه لعامة الناس شكلا، لكن الواقع من يحصل عليه غالبا هم من الطبق الميسورة، والمشكلة هنا أن أفراد الطبقة الميسورة لم يمر بخبرات تؤهله لهذا الدعم، لأن الحاجة أم الاختراع فهو غير محتاج لكسب خبرات يطور به نفسه، فمجرد مكانة عائلته الاجتماعية تؤهله لكل شيء، فالتنافسية عند هؤلاء شبه معدومة أو محدودة في مجلات معينة، لذلك يجب على المجتمعات العربية التي ترغب في التطور فعلا وليس قولا أن تبني مجتمعا ذا إرادة قوية يشجع أفراده، وتوجيه الدعم لمحتاجيه الحقيقيين من ذوي الخبرات.