أثناء تبادل أطراف الحديث مع صديق كوري جنوبي في سيئول قال: نحن بنينا بلدنا من لا شيء، بعد خروج المحتل الياباني من بلدنا، كان بلدنا ممسوحاً بالأرض، فالاحتلال الياباني استمر من 1910 حتى 1945، تسبب ذلك بإنشاء جيل شبه أميّ لا يعرف أساسيات العلم، وبعد ذلك بدأت الحرب الداخلية بيننا وبين كوريا الشمالية، لتصبح الحرب باردة في كل العالم إلا في كوريا كانت أحرّ من الجمر، فأصبحت كوريا مكان صراع العالم كله لتدخل دول المحور الغربي ممثلة بأميركا وبريطانيا في الجنوبية، وفي الشمالية كانت القوات الصينية والسوفيتية، إنها حرب عالمية في بقعة صغيرة، فتدمرت كوريا فوق الدمار دماراً وكانت بين عامي 1950-1953. وكنا نعد من أفقر دول العالم في الستينيات نتنافس على ذيل القائمة العالمية مع غانا والسودان، ثم بادرني بالسؤال: كيف تتوقع المستقبل لدولة شعبها أميّ ومدمر؟ هل تتوقع أن تصبح كوريا على ما هي عليه الآن؟
وأضاف: كان كل جيلي يذهب للمدرسة من التاسعة إلى التاسعة، لم تكن المدارس كما هي عليه الآن، كنا ندرس في المعابد والتي لم تكن متوفرة في كل مكان، فوجب عليّ أن أمشي فترة طويلة وأنا صغير حتى أصل لمدرستي (المعبد). لقد جرب الجيل الذي قبلنا معاناة الجهل والاحتلال والقهر والتعذيب ودماء الحروب، فاستثمر فينا كل ما يستطيع أن يستثمر، فلم يكن لدينا شيء، لا موارد طبيعية ولا بنية تحتية ولا حتى أموال، كنا عبارة عن تجمع بشري من المشردين، فلم يكن أمام الجيل السابق إلا أن يسلحنا بالعلم لا شيء غير العلم، فصنعنا معجزة، نعم معجزة تُدرس على المستوى العالم، تحت مسمى Miracle on the Han River (معجزة على ضفاف نهر الهان)، ويقصد بها التطور الاقتصادي الذي حدث في كوريا، نحن الجيل الذي حقّق المعجزة، فلم نُخِبْ ظن آبائنا فينا، ولن يخيب من استثمر في العلم، فكل شيء قابل للذهاب إلا الاستثمار في العنصر البشري عن طريق العلم، انتهى كلامه. وإن كنت قد أضفت بعض المعلومات من عندي حتى يتناسق التسلسل الزمني للموضوع.
فعلا ما قام به الكوريون معجزة ولهم كامل الحق في الافتخار، فلم يسبق لأي دولة في العالم أن حققت ما حققته كوريا، فحتى جارتها اليابان التي تدمرت من خسارة الحرب العالمية الثانية، كانت لديها البنية التحتية للنهوض، فقد كانت نسبة الأميّة فيها بعد الحرب تكاد تكون أقل من 2% وكان يوجد لديهم العقول والمتخصصون للنهوض مرة أخرى، ورغم كل هذه الإنجازات التي قام بها الكوريون واليابانيون تجدهم في قمة التواضع، فلا تجد شخصا يتعالى على الأجانب في دولهم ويقول (كيفي.. كوري).