يشبه اليابانيون حياة الساموراي (المقاتل الياباني التقليدي) بأزهار الساكورا، فهي في غاية الجمال أثناء تفتحها، ولكن حياتها قصيرة، بمعدل أسبوع إلى أسبوعين، فبمجرد أن تأتي الرياح تقتلعها وتطير معها لتشكل تيارا من الزهور المتطايرة بشكل يجسد جمال الطبيعة في أبهى صوره، كذلك حياة الساموراي فهي قصيرة وجميلة وتنتهي عادة بمشهد درامي بالموت خلال القتال أو الاغتيال.
كذلك كانت قصة حياة ساكاموتو ريوما الساموراي المولود عام 1836، والمستمرة حياته لمدة 36 عاما زاخرة بالتضحيات في سبيل توحيد اليابان وتطور الشعب الياباني، ولد في قرية نائية في الريف الياباني لقبيلة تشتهر ببيع الساكي (الخمر الياباني) وبسبب أصوله هذه التي تعتبر من أدنى مستويات طبقة الساموراي، تعرض للاضطهاد طوال حياته، ولكن لم يجعل هذا الاضطهاد عذرا لفشله، بل جعله دافعا يعطيه الحماس للنجاح في هدفه.
ريوما الذي كان في بداية شبابه من المعارضين لانفتاح بلاده على العالم والاستفادة من العلوم والثقافات الأخرى، أصبح من المناصرين لهذا الانفتاح بعد ان قرر اغتيال أحد الساموراي الكبار المناصرين للانفتاح، ولكن عوضا عن اغتياله، أقنع الساموراي الكبير هذا ريوما بأهمية الانفتاح، وإن لم تنفتح اليابان ستتعرض للاستعمار مثلما حدث للصين، حينها كتب لأخته رسالة ذكر فيها أهمية الانفتاح وأنه (يريد أن ينظف اليابان) من الفكر التقليدي الذي تسبب بالحروب الداخلية وتخلف البلاد.
كانت اليابان عندما ولد عبارة عن دولة تطحنها الحروب الداخلية والنزعات العرقية يحكم جزءا منها حاكم عسكري (شوغن)، والامبراطور ضعيف ومنصبه صوري، وبعد إيمانه بالفكر الانفتاحي قام ريوما بالسعي لتوحيد اليابان تحت ظل الإمبراطور الذي يشاركه نفس الفكر الانفتاحي، وبعد قصة طويلة مليئة بالصراعات الحربية والفكرية تم لهم ذلك. وبسبب دوره الكبير في ذلك اختاره اليابانيون كثالث أكثر شخصية لها شعبية في اليابان.
من أبرز الأفكار التي قدمها ريوما كانت وضعه ثماني نقاط خلال ركوبه لسفينة كانت تقله إلى طوكيو، وتسمى في التاريخ (شروط السفينة)، والتي أصبحت فيما بعد المسودة الرئيسية لقسم ميجي الذي ألغى من خلاله الطبقية المجتمعية ونص على توحيد الشعب وكفالة حق التعليم ونشره لجميع اليابانيين من شتى الطبقات، وحرية الرأي والتعبير، وأن الطموح حق لكل اليابانيين من شتى مشاربهم، وجعل الدولة دولة مؤسسات حرة، والإقلاع عن جميع عادات الماضي السيئة.
ريوما وغيره من أصحاب الفكر التطوري جعلوا اليابان رمزا للتطور والحداثة، وضحوا في سبيل هذه الرسالة بأرواحهم، وهم شخصيات تتكرر في تاريخ كل أمة حضارية، ونحن في العالم العربي محتاجين لصناعة بيئة صحية تخرج لنا مثل هذه الشخصيات التي تحمل على عاتقها هموم الأمة و(ينظفها) من الفكر الاتكالي الحاصل لفكر تطوري ينهض بها.