خلال تواجدي في اليابان، كنت أتواصل مع صديقي الياباني الذي كان في كوريا الجنوبية، وصادف أن يكون التلفاز مفتوحا على الانتخابات اليابانية، فأبلغته بأن الانتخابات هنا تجري على قدم وساق، توقعت أن يكون رده أنه يتابعها عبر الإنترنت أو القنوات اليابانية التي تبث في كوريا الجنوبية، لكنه أجاب أنه غير مهتم نهائيا، كانت الإجابة صادمة بالنسبة لي، كيف لا يكون مهتما وهو شخص مثقف خريج دراسات عليا من أعرق الجامعات اليابانية، إجابة صديقي هذا جعلتني أفكر بمدى اهتمام الشعب الياباني بالسياسة، اتضح أن الأغلبية العظمى من الشباب الياباني معلوماته عنها قليلة، مرتبطة غالبا بوقت الانتخابات وهذه هي حدوده السياسية في الوقت الحالي، بينما على النقيض في الكويت، حتى كبار السن لديهم معلومات عن السياسية أكثر من الشباب الياباني.
هذا الموضوع يدعوا للتفكير بالأسباب التي جعلت شعبا مهتما بالسياسة وآخر غير مبال بها، نجد أن الكويتي منذ ميلاده إلى وفاته وهو مرتبط بالسياسة والسياسيين، يتوظف عن طريق السياسي، ويحصل على الدعم عن طريقه، وإن حصلت له مشكلة تواصل معه، حتى حقوقه لا يستطيع أن يحصل عليها إلا عن طريقه، وإن لم يكن له علاقة قوية بعضو أو وزير أو أي شخصية سياسية، فهو مثل اليتيم الذي (لا أب له)، وهذا متجذر بقوة في المجتمع، لدرجة أنه حتى نوع الوظيفة ومدى علو أو دنو مرتبها، مرتبط بمدى قرب أو بعد علاقته مع السياسي، بينما الياباني لا يحتاج لهذا نهائيا، بل إن بعض اليابانيين يتمنون أن تسلب حقوقهم، حتى يحصلوا على تعويض، لا يحتاجون بعده إلى العمل مدى الحياة.
الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع المواطنين بأنها تجبرهم بشكل متعمد على كسب ولاء العضو، ما هي إلا طريقة من طرق العبودية الحديثة، فإن كان المواطن يرغب في الحياة الكريمة، فلابد من أن يعطي الولاء للعضو، الذي يقوم بدوره بإعطاء ولاءه للحكومة، فتفتح له ما لذ وطاب من المناقصات وتعيين من يشاء من ناخبيه، هذه الطريقة هي معول الهدم الرئيسي لمنع أي تطور في الدولة، فالمعيار الأساسي لأي منصب هو مدى قرب الراغب في تولي المنصب من السياسيين، أما الخبرة والشهادة وغيرها من التقييمات فأصبحت تحصيل حاصل، لذا من النادر جدا أن تجد الشخص المناسب في المكان المناسب، وهذا طبعا انعكس على المواطنين الذين أصبحت نسبة كبيرة منهم لا يهتمون بجودة تعليمهم أو خبراتهم، إنما أصبح المعيار لديهم هو الحصول على أدنى مستوى من احتياجات الوظيفة أو المنصب الراغبين في الحصول عليه، فتجدهم يذهبون إلى جامعات متدنية ويحصلون على شهادات قيمة الورق أغلى منها، ليس رغبة فيها إنما هي مجرد أداة للوصول لما يبتغون، بدعم من السياسي، لدرجة أن البعض تطرف في هذه الخطوة وأصبح يحصل على الشهادة بالتزوير، فلو كانت المنافسة الشريفة موجودة لوجدت أن الكل يسعى لتطوير نفسه ومستواه التعليمي ويأخذ خبرات ودورات في سبيل الوصول لغايته.
في بداية دور الانعقاد الحالي، نتمنى من الحكومة الابتعاد عن هذا النهج، والسعي لحث المواطنين على التطوير من أنفسهم وعندها سيتطور كل شيء ونبتعد نحن غير محبي السياسة عنها، لنبدأ الاهتمام بالتطور ومواكبة الدول المتقدمة.