أتذكر دائما تلك العجوز اليابانية عاملة النظافة الوحيدة في أهم محطة باصات في منطقة هيميجي في الريف الياباني، حيث كنت أدرس البكالوريوس، ورغما من الطابع الريفي إلا أنها تعتبر قبلة سياحية لليابانيين، وذلك لوجود قصر هيميجي الشهير الذي يعتبر بلونه ناصع البياض أجمل القصور اليابانية، وهناك مقولة شهيرة لدى اليابانيين تقول (أوشيرو تو إييبا هيميجي جو) وترجمتها «لو قيل قصر (فالأجمل) هو قصر هيميجي»، التنقل بالقطارات لم يكن عمليا في هذه المنطقة، لذا تعتبر الباصات هي الطريقة الأساسية للتنقل داخلها، وعصب هذه الباصات ومركزها هو محطة الباصات الرئيسية التي تعمل فيها هذه السيدة العجوز ذات الابتسامة الدافئة والتي تلبس رداء أخضر غاية في النظافة، وبسبب ضغط السياح وعدد سكان الريف كانت تستقبل المحطة هذه آلاف الركاب، وكنت بدوري أمرّ على هذه المحطة بشكل شبه يومي لمدة 4 سنوات، ولم يحدث أن وجدت قمامة أو كرسيا غير نظيف في هذه المحطة.
المتجول في الصباح الباكر في مناطق الكويت يلاحظ كميات ضخمة من عمال النظافة، يتجولون في الشوارع، وفي الوقت نفسه تجد القمامة في كل مكان، وعندما تذهب لحديقة عامة في الصباح الباكر كذلك تجد أن العمال أضعاف المرتادين، ولكن صعب أن تجد كرسيا نظيفا قابلا للجلوس عليه، أما الشواطئ فحدّث ولا حرج، فمن المستحيل أن تستطيع التقاط صورة لشاطئ الواجهات البحرية دون أن تشوهها القمامة، بينما تجد أن عمال التنظيف يمشون بين القمامة وكأن الشيء لا يعنيهم، كل هذه المواقف تجعلني أتذكر ذات الرداء الأخضر.
عيون الساكنين في الكويت تعودت على منظر القمامة المرمية، والشوارع المتكسرة، والمباني المتهالكة، لدرجة عدم الاستنكار، أو الاستنكار على استحياء، وغالبا ما يرمى السبب على الطرف الأضعف في دائرة النظافة والتنظيف وهم العمالة، ولكن في الحقيقة أن عدم النظافة هي مشكلة مجتمع، فمرتادو الأماكن العامة لا يهتمون بتنظيف مخلفاتهم، والشركات المسؤولة عن هذه العمالة لا تراقبهم، وهناك إشاعات بأنهم لا يعطونهم حقوقهم المالية، ويسكنون في أماكن غير قابل للسكن الآدمي، ولأنهم الحلقة الأضعف فهم مجبرون على قبول كل هذا، فكيف يقوم إنسان بواجباته وهو لا يأخذ حقوقه، وفي الوقت نفسه لا توجد عليه رقابة، أو من باب حسن الظن عليه رقابة ضعيفة؟
عامل النظافة الياباني يتسلم راتبا أضعاف نظيره في الكويت، ولكن إنتاجه أضعاف كذلك، وبالتأكيد لو تم تقليل أعداد العمالة في الكويت وزيادة رواتبهم وتحسين جودة سكنهم ومعيشتهم ووضع رقابة حقيقية على الشركات الجالبة لهم التي بدورها ستقوم بالرقابة عليهم، سنحصل على جودة عالية من النظافة، وبنفس كمية الأموال المصروفة، بل سيكون هناك تقليل من الضغط على مؤسسات الدولة، وهذا يتماشى مع الخطة الموضوعة لتقليل عدد السكان في الكويت، ولابد من تزامن هذا مع حملة توعية اجتماعية وحث على المحافظة على مرافق الدولة ونظافتها، ومحاسبة كل من يخل في هذه المنظومة.