فلسفة الإيكغاي لا تعتبر فقط فلسفة، بل تتعدى ذلك حتى أصبحت أسلوب حياة لليابانيين، الإكيغاي باللغة اليابانية تعني (سبب وجود الشخص في الحياة) أو الهدف من وجوده فيها، وأن لكل إنسان هدفا ومفهوما مختلفا عن الآخر، وأنها المنطقة المشتركة بين أربع نقاط، وهي ما تبدع فيه وما تحب فعله وما يحتاجه المحيط والعالم منك وما يحقق لك عائدا ماديا، وفي المنطقة المشتركة بين النقاط السابقة يكون هدف الإنسان في الحياة.
لتوضيح الصورة نأخذ مثالا، لنفترض أن ما يحب فعله شخص ما هو البحث في سلوك المجتمعات، وأنه مبدع في الكتابة، وأن المحيط به والعالم عموما يحتاج لأن يكون هناك مزيد من الدراسات عن سلوك المجتمعات، أما ما يحقق له عائدا ماديا فهو كتابة كتب عن هذا الموضوع، وكنتيجة يكون هدفه في الحياة، أو الإكيغاي، هو كتابة الكتب عن سلوك المجتمعات.
تقول الدراسات إن الدافع الرئيسي لدى اليابانيين للعطاء هو هذه الفلسفة المترسخة في عقلهم الباطن، حيث يستقون هذه الفكرة من المجتمع والبيئة المحيطة، وأنها السبب الرئيسي لطول أعمار اليابانيين، وهي في الوقت نفسه أحد أسباب الانتحار، فالشخص الياباني إذا فقد هدفه بالحياة ولم يكن لديه إيكيغاي ينتحر، وسبب كثرة انتحار اليابانيين أن الياباني ينظر للانتحار بمفهوم مختلف عن بقية العالم، الساموراي الياباني ينتحر ليثبت بطولته، فهو ينتحر حتى يعيش في عقول اليابانيين وأفئدتهم، يموت في سبيل نشر فكرته، وأنه استطاع مواجهة الموت بسبب اختلاف رأيه عن رأي رئيسه الساموراي الأعلى، وعملية الكامي كازي دليل قوي على هذه الفكرة، المقاتل الياباني الذي شارك في هذه العملية يعتقد أنه قام بدور بطولي في سبيل وطنه ومجتمعه، وأن الشاب الياباني عندما ينتحر يعتقد بأنه واجه مصيره وفشله بشكل بطولي دون خوف من الموت لأن المجتمع ليس محتاجا له، وطبعا هذه الفكرة باطلة، لأن كل فرد في المجتمع له دور، ومهمة الفرد هي البحث عن هذا الدور الذي يطور المجتمع ويحقق رضاء الفرد عن نفسه.
لقد حرص اليابانيون على العمل والعطاء فيه يعود إلى هذه الفلسفة كذلك، الموظف الياباني حريص على نقطة «كيف أفيد المجتمع»، فيرى أن عطاءه في العمل الذي اختاره خير إجابة على هذا السؤال، ولأن المجتمع الياباني يعرف كيف يوظف الشخص المناسب في المكان المناسب، فغالبا كل شخص يتوظف في مجاله الذي اختاره، والذي لا يستطيع ذلك يعمل في مكان مؤقت باليومية حتى يحصل على الوظيفة التي يريد.
الفكرة تختلف هنا، فعند سؤال أي شخص عن هدفه في الحياة غالبا تكون الإجابة «عبادة الله وإعمار الأرض»، وهي إجابة من منطلق ديني، وتطبيقها نظري فقط، فدور العبادة مليئة بالمصلين، ومؤشرات الفساد تحقق أرقاما قياسية، الكلام والمخططات كبيرة والأفعال صغيرة، يتعامل المواطنين مع خطط الدولة كأنها أحلام يقظة، لا ولن تطبق، المنادي بالإصلاح كأنه عدو مبين، الكل يقول «إن شاء الله»، نادر من يعمل بها، حتى أصبحت هذه الكلمة مضرب مثل بالتسويف، الكل يتغنى بالوطنية، لكن الوطني عملة نادرة، كل من يكون لديه طموح لتطوير نفسه ومجتمعه يتصادم مع عدم وجود القابلية والبنية التحتية لتحقيقه، لذلك قليل من يعمل هنا تحت مظلة الإيكيغاي، فالذي يعمل يحارب ويتعرض للمشاكل والإحباط، لذا اختار بعض الناس ألا يكون عنده طموح أو يقلل من نسبة طموحه قدر المستطاع، حتى لا يكون أحد ضحايا الإحباط.