حسب نظرية «العقد الاجتماعي»، كان البشر مجموعة من الأفراد المستقلين، لهم كامل حريتهم فيما يفعلون، دون تدخل أطراف أخرى، ولكن عندما بدأت الزراعة، بدأوا بالاستقرار، وتكوين الجماعة، فأصبح من الضرورة وجود تعاقد داخل الجماعة حتى لا يعتدي أحد على الآخر، وحماية الأفراد من السرقة والحيوانات المفترسة، وهنا ظهرت أول حكومة على وجه الأرض، فكان الهدف من نشأة الحكومات هو حماية الأفراد من الاعتداءات، وتنظيم أمور الحياة داخل المجتمع، مقابل تنازل الأفراد عن جزء من حرياتهم في سبيل الحصول على الأمان والاستقرار.
المراقب للوضع السياسي الكويتي يرى أن الحكومات المتعاقبة تعمل عكس هذه المصلحة، فترى أكثر من قضية فساد تحوم حول أفراد في الحكومة، وأحيانا برعايتها، وتجد خروجها عن الهدف وراء وجودها، فأصبحت تجري عكس رغبة المجتمع، وانتخابات رئيس مجلس الأمة السابقة خير دليل على ذلك، واستخدامها للاستقالة وتوقيف حال البلد كسلاح ضد من يرغب في تنفيذ أهداف شعبية بالإصلاح والعفو الشامل، واستخدامها لأشخاص غير محبوبين لدى المجتمع للتسويق لأفكارها، بل وصل الأمر الى أن أي شخص يسوق للحكومة، يواجه بسخط ونبذ شعبي، صحيح أن كل المجتمعات فيها مشاحنات وتعارض مصالح سياسية، لكن المجتمعات المستقرة هي المجتمعات التي تنفذ رغبة الأغلبية.
الجيل الخامس من الحروب، يعتمد على صنع فجوات بين الحكومات وشعوبها، واستغلال هذه الفجوات لاحتلال العقول، ومن ثم تنفيذ رغبة هذا المحتل في تدمير الدولة المرغوب في دمارها، دون أن يطلق الطرف الخارجي أي رصاصة، أو حتى يعترف بشكل مباشر عن تدخله في شؤون الدولة المرغوب في دمارها، والأسلحة التي تستخدمها الدول هي وسائل إعلام تلفزيونية، وحسابات بوسائل التواصل الاجتماعي تقوم بتضخيم أي خطأ يقع في المجتمع، والربيع العربي مثال واضح على هذا النوع من الحروب، وإذا صح الوصف بوجود فجوة بين الشعب والحكومة في الكويت، فهذه ثغرة قوية ممكن استخدامها لتنفيذ هذا النوع من غزو العقول، فالمنطق يقول يجب السرعة في القضاء عليها، على الأقل ولو بشكل مؤقت.
تغير الوضع في الرئاسة الأميركية، وخلع ترامب الذي استنزف القوة الناعمة الخارجية لأميركا، ودخول الديموقراطي بايدن للبيت الأبيض، وارتباط الربيع العربي بالحزب الديموقراطي الأميركي، وتصريح بايدن وقادة هذا الحزب في مناسبات كثيرة، ضد الملكيات في الشرق الأوسط، كلها مؤشرات لا بد من الانتباه لها، وحتى إن كان لا توجد توجهات خارجية لاستهداف الكويت، أعتقد أن تحصين الداخل بالقضاء على التجافي بين الشعب والحكومة له إيجابيات كثيرة، أهمها حماية الداخل.