قرية ميلياندو النائية الواقعة في عمق الغابات المطيرة، يكاد لا أحد يعرفها من أهل غينيا غير سكانها الخمسمائة الذين كانوا يعملون في زراعة الموز والأرز، ويعيشون في أكواخ طينية مستديرة مجهزة بالحد الأدنى من الراحة والتكنولوجيا.
في تلك القرية تعوّد الطفل إيميل ذو العامين، منذ تعلمه المشي، على أن يلعب مع إخوته وأقرانه بين الأحراش القريبة بشكل يومي، وفي إحدى الليالي اشتكى الطفل من المرض دون سبب معروف، وبعدها بقليل انتقل مرضه إلى أفراد عائلته، حاول العشابون معالجتهم بكل الطرق، لكن طرقهم باءت بالفشل، اجتمع حكماء القرية، وحاولوا أن يفسروا الوضع الحاصل، وكان قرارهم متوافقا مع الطبيعة البشرية التي تفسر كل ما لا تعرفه تفسيرات ماورائية، وهو أن عائلة الطفل مسحورة، فنبذ سكان القرية العائلة، ولكن لم يفد ذلك، إذ إن أعداد المصابين من غير عائلة الطفل آخذة في التزايد، اعتقدوا أن السحر عم على كل القرية، فأحرقوا ممتلكات المصابين، ولكن دون جدوى، فقرر الأصحاء منهم الهرب لأقربائهم خارج القرية للنجاة من السحر الأسود.
من ناحية أخرى، سمعت منظمات الصحة بأعداد الموتى، فأرسلوا العلماء المختصين لمعرفة السبب، وبعد التحاليل والبحوث اكتشفوا أن حالة الطفل هي الحالة الأولى لفيروس جديد يدعى «إيبولا» ينتشر في أفريقيا وأن الأحراش التي كان يلعب بها مليئة بوطاويط الفاكهة التي كانت السبب في انتقال الفيروس للطفل، فقاموا بتعليم أهالي القرية والقرى والمدن ليس في غينيا فقط، بل في كل غرب القارة الأفريقية، انحسر المرض بعد أن مات 11300 إنسان بسببه، واستطاعوا إنقاذ ما تبقى من أهالي ميلياندو، ولكن ما زالت المناطق المحيطة بهم تقاطعهم، فلا يشترون منهم ولا يبيعون لهم، حتى الأشياء الضرورية للوقاية من الأمراض مثل الصابون، قد يكون اعتقاد منهم بأن ما زال القرية وسكانها مسحورين.
العقل البشري يكره أن يجهل الأشياء، ولأنه ليس لديه الأدوات لفهم بعض الأحداث، يقوم بملء هذه الثغرات المعرفية، بأفكار غير منطقية، يواسي فيها جهله، ومع الوقت تصبح جزءا من العقل الجمعي للمجتمع، وبعدها تصبح مقدسة غير قابلة للمساس، لذلك التاريخ يحمل الكثير من هذه القصص، ولكن الغريب رغم انتشار العلم والمعرفة، وسهولة الحصول على المعلومة، ما زالت نسبة ليست بسيطة من البشر يتبعون نفس النظام التقليدي، وما حادثة لقاح كورونا عنا ببعيد، هناك من تكون لديه حجج منطقية لعدم أخذ اللقاح، كالقول بأنه تم تصنيع اللقاحات بسرعة، ولكن تنتشر كذلك نظريات مؤامرة، مثل النظرية القائلة بأن بيل غيتس تآمر مع حكومة الظلام لغرس شريحة إلكترونية في كل البشر، والمصيبة أن هناك من يحملوا شهادة الدكتوراه من المؤمنين بها والمروجين لها.
لا شك أن رفض التطعيم بسبب الإيمان بأفكار لا منطقية تطرف، لكن في نفس الوقت إجبارهم غير المباشر على التطعيم يعتبر تطرفا كذلك، جسم الإنسان وصحته خيار شخصي، ومنعه عن ممارسة الحياة الطبيعية التي يمارسها غيره من الحاصلين على شهادة أخذ اللقاح، يتسبب بالإجبار على التطعيم، وإن لم يطعم قد يتسبب بآثار نفسية بسبب عدم ممارسة الحياة الطبيعية، فالأولى الدعوة إلى التطعيم بالتوعية والكلمة الحسن، وليس العزل الاجتماعي.