في أواخر القرن التاسع عشر، كان اليابانيون بين خيارين، إما أن تستعمر دولتهم أو أن يحاكوا الغرب ويصبحوا دولة متطورة، وكلا الخيارين مر، فاليابان كدولة، آلهة كما يعتقد اليابانيون، لا يحق للأجنبي أن يفرض سيطرته عليها، والتحول للمدنية حسب المفهوم الغربي، يعني أن تتصادم الثقافة الغربية مع اليابانية، ويبدأ الصراع داخل الشعب الواحد، اختار اليابانيون التطور، فقامت النخبة بفهم الوضع الإقليمي والعالمي، والاستشفاف بأن بريطانيا تغرق الصين بالأفيون وانتهت حرب الأفيون الأولى، وأن أميركا التي أرسلت لها السفن، وأجبرتها على الانفتاح يسعون إلى السيطرة على دولتهم، فرفضوا ذلك، ورفعوا شعار الانفتاح، ولأن الحاكم العسكري لليابان رفض هذا التحديث لقيم وثقافة المجتمع، أصبحوا معارضين له، ونشروا فكرة إرجاع جميع السلطات إلى الإمبراطور الذي كان يحكم بشكل صوري فقط، وفعلا نجحوا في تنصيب الإمبراطور الصغير ميجي ومنحه السلطات، لتبدأ الحرب الداخلية بين المعسكر القديم الرافض للانفتاح والمتمسك بالأعراف القديمة، والمعسكر الحديث الراغب في التطور والتغريب، وكان الانتصار الساحق من نصيب الجيش الإمبراطوري المسلح بالبنادق والمدافع الحديثة، بينما كان المعسكر الآخر يدافع بالطريقة التقليدية بالسيف والخيل.
هذه القصة تحدث كثيرا في التاريخ البشري، دائما ما يكون هناك من يسعون الى التطور والتحديث وآخرون راغبون ومستفيدون من الوضع القائم، لا شك أن الراغبين في التقدم غالبا ما يتعرضون للاضطهاد والسجن والقتل أحيانا، لكن على المدى الطويل يكون النصر للمحدثين، ولو لم يكن النصر للأفكار التقدمية الحديثة، لكنا كبشر ما زلنا نسكن الكهوف، ونعيش على الصيد ونتطاحن فيما بيننا.
العالم العربي في الوضع الحالي يمر بوضع الجمود، الإنتاجية تكاد تكون مقتصرة على تصدير المواد الخام، المعسكر القديم التقليدي يفرض سيطرته على الوضع، ويستخدم وسائل الإعلام والثقافة ووعاظ السلاطين لفرض هذه السيطرة، هناك محاولات لنجاحات اقتصادية هنا وهناك، لكن دون تغيير للمفاهيم وغرس القيم التي تحث على الإخلاص في العمل وبذل الجهد في تطوير النفس والمجتمع.
نعم هناك الكثير من القيم المستقاة من الدين الإسلامي والثقافة العربية التي تحث على ذلك، لكنها في حالة جمود، ودعوات التطور صوتها يرتجف، وهذه الحالة عادة ما تكون حالة الرماد الذي يحمل النار في طياته، والخيار السليم للمجتمعات في هذه الحالة أن يقوم المعسكر المحافظ بالتغيير من بعض مفاهيمه بطريقة اختيارية، حتى لا يتكرر الربيع العربي بطريقة أكثر دموية.