ثيسيوس الأسطورة الذي خاض أضخم الحروب البحرية بلا كلل أو ملل، وكان النصر حليفه أينما ذهب، حاول الاغريق أن يحافظوا على سفينته، تخليدا لذكراه وتذكارا للعزة والكرامة التي منحهم إياها بانتصاراته، وظلت السفينة تطفو على الماء إلى أن ضعف خشبها، قرروا أن يرمموها، فغيروا الأجزاء التي تآكلت بأخرى جديدة، وعام بعد عام يتم التغير حتى لا تغرق، إلى أن غيروا كل أجزائها، وعند احتفالهم السنوي بهذه السفينة، تساءل أحدهم: هل نحن حقا نحتفل بسفينة ثيسيوس؟ وأضاف هذه السفينة الطافية على البحر كل أجزائها تغيرت، وأشار إلى ركام السفينة البالي القديم المركون في الميناء، هذه هي السفينة الحقيقية.
سفينة ثيسيوس أصبحت مثالا لتغير البشر والمجتمعات وهوياتهم، لا يوجد مجتمع يستمر على فكره الأولي مادام يختلط ويعيش مع المجتمعات الأخرى، فلا بد له أن يرمم أفكاره ويتداخل مع أفراد وجماعات أخرى، لكي ينجو من التغيرات التي تحدث في كل عصر وزمان، والتاريخ يؤكد أن المجتمعات التي تحافظ على جمودها تغرق، كحال السفينة التذكارية، لو أن الإغريق لم يغيروا ألواحها لغرقت، فالتدعيم والترميم ضروريان لبقاء المجتمع، وهناك مجتمعات تتميز بسرعة الترميم وإدخال أفراد من مجتمعات أخرى حتى تستفيد من خبراتهم، مثل المجتمع الأميركي الذي يفرض سيطرته على العالم، رغم ذلك لا يخجل بأن يعلن سنويا عن حاجته لتجنيس أفراد من مجتمعات أخرى، حتى يقوى المجتمع ويتماسك، ويستفيد المجتمع من علمهم ومعرفتهم، بل حتى تجنيدهم في الجيش الأميركي.
على عكس ذلك، في الكويت التي لا يزيد تعداد مواطنيها على المليون والنصف المليون، نسمع فيها للأسف أصواتا عالية من سياسيين، يعززون العنصرية وتفكيك المجتمع حتى يحصلوا على مبتغاهم، وربط وطنية المواطن بتاريخ وصوله إلى الكويت، وليس بأعماله وتضحياته في سبيل وطنه ومجتمعه الكويتي، وهذا الربط يعطي للأفراد صك غفران الوطنية دون بذل أي مجهود، فهو حسب أفكارهم وطني بالولادة، وفي هذا قتل لروح المنافسة بين أفراد المجتمع.
المجتمعات المتقدمة عرفت آلية ربط الوطنية بالإنجازات، وحافظت على هذه الطريقة، لدعم إنجاز الأفراد، فالمجتمع الياباني الذي كان ممزقا بالحروب والقتال بين جماعاته، ظل متخلفا إلى أن جاء، الذي أرسل بعثات للدول الغربية ليعرف سبب تطورهم، وعرف أن المجتمعات الأوروبية، كانت متخلفة في زمن الإقطاعيات، ولم تتطور إلا عند مساواة أفراد المجتمع، فكان أول قرار له بعد توليه الفعلي كامبراطور لليابان هو المساواة بين أفراد المجتمع معنويا قبل ماديا، فأصبح لا فضل لابن الساموراي على ابن المزارع إلا بالإنجاز، وبعدها بدأت اليابان تخطو على سلم التطور.