لا أحد يكتب القصة أجمل من جيمس جويس، يمدح البعيد ويقصد القريب، وتارة يذم القريب ويقصد البعيد، يتلاعب بالكلمات كأنه مخترعها، كتاباته يفهمها رجل الشارع فهماً مختلفاً عن دارس الأدب، ويفهمها الأديب والناقد بشكل مختلف عن الاثنين، والغريب أن الكل مستمتع بها، رغم سخطه لحالة مجتمعه الأيرلندي وهو تحت الاحتلال الإنجليزي، إلا أن هذا السخط كان في غاية الجمال.
كتب قصة «الأموات» ضمن مجموعة قصصية أصدرها بعنوان «أهالي دبلن»، تروي صراع المجتمع بين أفراده، فتجد أن هناك من يرغب بالمحافظة على الوضع الراهن، والخضوع للمحتل خوفا من المستقل، وتجد الثائر، ومحب الحداثة، ومن يرغب بالمحافظة على التراث، كل هذا شرحه بطريقة غير مباشرة بعدد كلمات لا يتجاوز 16 ألف كلمة.
جبرائيل هو الشخصية الرئيسية في القصة، شخصية حداثية، تطمح للمستقبل بشرط المحافظة على التراث، خلال كلامه مع المدعوين للحفل، روى لهم قصة «جوني غير القابل للنسيان»، ملخصها هو أن أحد أهالي دبلن عاصمة أيرلندا، كان يلقبه الناس بالجنتلمان العجوز، يمتلك طاحونة، ولديه حصان أصيل قوي يدعى جوني، استخدمه الجنتلمان بالعمل في الطاحونة، طوال اليوم يدور حولها للطحن، في يوم صحو قرر الجنتلمان أن يتجول في الحديقة العامة على متن حصانه كمن يتفحص جنده، فارتدى كامل هيبته، وأسرج جوني بأجمل شكل، وذهب للحديقة، وكل شيء سار بشكل سليم، إلى أن رأى جوني تمثالا لأحد الملوك الذين بطشوا بالشعب الأيرلندي داخل الحديقة، فتذكر الحصان الطاحونة وأخذ يدور ويدور حولها، وكل محاولات صاحبه الذي يمتطيه أن يوقفه عن الدوران باءت بالفشل.
جيمس قصد بهذه القصة أن الأيرلنديين رغم جودة معدنهم إلا أن لديهم معتقدات وعادات وتقاليد وترسبات فكرية، تمنعهم من الانطلاق نحو المستقبل، وبجرد ما أن يشغلهم شيء بسيط عن التقدم يظلون يدورون حوله، ومهما حاولت النخبة أن تغير مسارهم لا يستطيعون، ويستمرون بالعيش في الماضي دون تقدم، ولذلك أطلق على هذه القصة اسم «الأموات» رغم تحدثه عن الأحياء.