عام 2016 أطلقت «مايكروسوفت» تحدياً، قد يكون بسيطاً في فكرته، لكنه عميق في معناه، كان عبارة عن مجرد حساب في «تويتر»، لكنه قائم على الذكاء الاصطناعي، وتمت برمجته حتى يعمل من خلال محاكاة تفكير البشر وسلوكهم، وتجربة جميلة تقوم على الاحتكاك المباشر مع الجمهور في كل مكان حول العالم، أطلقوا على الحساب اسم «تاي تويت»، بدأ كأنه طفل صغير يغرد، يلتقط الأفكار من كل التغريدات والردود والإنترنت، بعد فترة قصيرة جدا، اضطرت «مايكروسوفت» لإغلاق الحساب والتجربة، بسبب أن الحساب بدأ يخرج عن الذوق العام وارتكب المحظورات، فبدأ بالتمجيد بهتلر مثلا، وشتم اليهود والنسويات، ودعا إلى مذابح جماعية، فشلت التجربة أخلاقياً، لكنها نجحت من الناحية التكنولوجية، وجارت المخطط الموضوع لها.
فكرة الحساب قائمة على عكس الأفكار المطروحة عليه والتي يتغذى بها من الإنترنت، قريبة لفكرة تنشئة الإنسان نفسه، فالطفل الذي ينشأ في بيئة قتلة وسُراق، سينشأ على تمجيد هذه الفكرة، واحتمالية أن يطبقها في المستقبل مرتفعة، والطفل الذي يتربى على الأخلاق سينشأ عليها، ولكن قد يكون هذا الحساب هو الطفل الوحيد الذي تربى على يد جميع البشر، فالحقيقة أن فشل تاي الأخلاقي، قد يكون فشلاً أخلاقياً لنا، خصوصا البشر الأثرياء الذين لديهم المقدرة على استخدام الإنترنت، وكانت رسالة تاي للبشرية هي: متى ما ارتفع المستوى الأخلاقي لديكم، سأنجح أخلاقيا، أما الآن فلا مكان لي بينكم.
نعيش في عصر المعلومات وسرعة انتقالها وسهولة الوصول لها، الإنترنت كسر الحاجز الذي كان يفصل بين رجل الشارع والعلم والمعرفة، لكنه مثلما جعل المعلومة العلمية بين يد الإنسان، كذلك جعل الخزعبلات والأفكار السلبية والعنصرية بين الأيدي، فأصبح مرتعا للإشاعة، وطريقة سهلة لنفث سموم كل من في قلبه مرض، فمثل ما تجد من يشجع العلم وينشره، تجد من ينشر خزعبلات الأرض المسطحة مثلا، ومثل ما تجد حكومات تستخدم الإنترنت لتسهيل المعاملات على مواطنيها، تجد حكومات تشجع على العنصرية وتنشر التفرقة بين أفرادها، وأصبح فضاء متسعا لا حدود لسلبياته ولا لإيجابياته، لا يمكن لجهة أي ما كانت أن تتحكم به بشكل كامل، والقاعدة الثابتة فيه، مثلما يكون المستخدم يكون استخدامه.