حتى مارد المصباح لا يستطيع أن يغير فكر أي مجتمع خلال يوم وليلة، تطور الحضارة واندثارها يحتاج إلى مئات السنين وعشرات الأجيال حتى يحدث، الحضارة الغربية احتاجت ما يقارب 500 سنة حتى تخرج من عصور الظلام وتصل للتطور، تطوير أي مجتمع لا يحتاج التصادم معه، إنما يحتاج إلى توعية بسيطة مستمرة، البعض يسعى بنوايا طيبة لأن يغير فكر المجتمع بشكل إيجابي لكن بآلية خاطئة تضر أكثر من ما تفيد، تدهور مجتمعاتنا العربية استغرق مئات السنين، وتطوره يحتاج فترة مقاربة، حرق المراحل ممكن لكن بآلية مدروسة، وبتفكير عميق ومراكز دراسات، لكن هذا غير متوافر.
نهوض المجتمعات يبدأ بالنهوض الفكري ومن ثم ينعكس ذلك على النواحي العلمية والصناعية فلا يمكن أن يتطور مجتمع صناعيا دون أن يكون هناك تطور فكري بالمجتمع، فالتطور يبدأ بتغيير الأفكار إلى إيجابية، المطالبات الحالية بالتطور بالعلوم والصناعة مستحيل أن يحدث دون أن تكون هناك بنية تحتية فكرية، بعض المجتمعات العربية حاولت أن تغير فيما يسمى (الربيع العربي)، والسبب عدم وجود تغير فعلي للأفكار، وهذا لم يحدث في العالم العربي فقط، بل حتى العارف بالتاريخ الأوروبي يعلم أن هناك (ربيعين أوروبيين) فاشلين، قبل دخولهم لحقبة الثورة الصناعية.
نجد خلال مرور أوروبا بعصور الظلام الكثير من الأفكار الجميلة التي أنتجها الفلاسفة والمفكرون، لكنها كانت مغيبة عن رجل الشارع الأوروبي، ويصعب عليه فهمها لما فيها من مصطلحات غير متداولة باللهجة المحلية، فظلت هذه الأفكار حبيسة الكتب، لا يقوم بتداولها إلا قلة من أفراد المجتمع الذين كانوا ينظرون إلى رجل الشارع نظرة استعلاء وتحقير، فجاء الأدب ليقف بالمنتصف، ويقوم بتسويق هذه الأفكار الفلسفية صعبة الفهم، لينقلها على شكل مسرحيات أو شعر وروايات، لتصبح سهلة ومحببة لكل الناس، وعندها دخلت أوروبا لما سمي لاحقا بعصر النهضة وتقود التطور في العالم، وهذا المشهد يتكرر في كل المجتمعات التي سلكت هذا الطريق، فقادة التقدم ليسوا فقط السياسيين، بل هم المثقفون والمفكرون الراغبون ببذل المجهود لتطوير مجتمعاتهم، وان تخاذلوا خذلوا أنفسهم وأهلهم ومجتمعاتهم، وهم للأسف كثر.
انتشار الإيمان بفكرة التطور قولا وفعلا هي بداية الطريق، نعم الكل يقول إنه يرغب بالتطور، لكن فعليا لا يفعل شيئا على أرض الواقع يؤيد هذه الفكرة، لذلك هو يرغب بالفكرة لكن ليس مؤمنا بها، فمن يرغب فعليا في تطوير مجتمع يقوم بالتوعية بفكرة الإيمان بالتطور، لذا الوعود التي يطلقها السياسيون بأنهم سيغيرون ويصنعون مجتمعا متطورا، يجب أن تؤخذ من باب الفكاهة والضحك على الذقون، فمن يرغب بالتطوير فعليا يكون عارفا بأن طريق التطوير يبدأ بالفكر، ويستخدم السياسة كأداة لمحاولة نشر الوعي.