أثناء محاضرة عن اللغات في بريطانيا تطرقت المحاضرة الپولندية (مارتا) بمعلومة عرضية تقول إن أقدم حضارة في العالم هي الحضارة اليونانية، ولأن الحضور من جميع أرجاء العالم اعترضوا على هذه المعلومة فتكلم جانب آخر من الحضور ذوي الأصول الأوروبية مدافعين عن المحاضرة، فانقسم المستمعون بين من هم من خلفية أوروبية بمن فيهم الكنديون والأميركان وباقي جناسي العالم واشتد النقاش إلى أن سيطرت المحاضرة وأعادت المحاضرة إلى موضوعها الأصلي.
طبعا البحث في أي كتاب بسيط عن الحضارات القديمة يثبت خطأ هذه المعلومة، لكن اعتزاز الشعوب بثقافاتها حق للجميع، ولن يتغير التاريخ باعتقاد (مارتا) بأن حضارتها الأوربية أقدم حضارة أو لا، ولن يتغير كذلك بدفاع الأوروبيين عن المعلومة رغم أن نسبة كبيرة منهم يعلم مسبقا بخطئها فهم أوروبيو النزعة، فحتى الدستور الأوروبي الحالي ينص على أن الحضارة اليونانية القديمة الخلفية الثقافية للاتحاد الأوروبي.
ولاء الإنسان لانتمائه وثقافته فطرة بالبشرية، لكن الغريب أن تكون شعوب من خارج الثقافة موالية لثقافة لا تنتمي إليها، وهذا ما يحدث بالدول العربية، فكثير منا ينظر إلى العالم حاليا من وجهة نظر غربية، مثلا عندما تستوقف أي عربي وتسأله من اكتشف كروية الأرض؟ غالبا ستكون الإجابة باسم عالم أوروبي، بينما العالم البيروني الملقب ببطليموس العرب لم يقل بكروية الأرض فقط بل قاس نصف قطر الأرض وأخرج إجابة صحيحة تختلف عن المقياس الحالي 16 كم.
ومكتشف أميركا هو كولومبوس بينما هناك خريطة وضعت بالصين لأميركا وأستراليا بجبالها وأنهارها عام 1418 أي قبل اكتشافات كولومبوس بفترة طويلة، وهناك معلومات ومصادر عربية تتكلم عن أميركا قبل كولومبوس بكثير لكن المشكلة أننا استوردنا العلوم والتاريخ بوجهة نظر غربية بحتة دون أن ندقق ونغربل المعلومات التي استوردناها، فأصبحنا نرى العالم من وجهة نظر مستوردة، فنظرتنا للثقافات الآسيوية كالصينية واليابانية تصل إلينا عن طريق غربي يختار المعلومات التي يسربها إلينا، فالخبر عن تلك المناطق يصل إلينا عن طريق وكالات أخبار غربية والكتب الصينية مثلا تترجم إلى الإنجليزية وتتغير مفاهيمها لتفهم لدى المتلقي الغربي ثم نقوم نحن بترجمتها إلى العربية بوجهة نظر غربية أيضا.