«الموت لكل من يدخل اليابان أو يخرج منها»، هذا هو القانون الذي أقره الحاكم العسكري الياباني الشوغون توكوغاوا وبدأ تطبيقه عام 1693، فاختارت اليابان العزلة عن العالم حتى توقف التدخلات الخارجية وتسيطر على وضعها الداخلي، فقامت بطرد جميع الأوروبيين من التجار والمبشرين المسيحيين البرتغاليين والإسبان، واستمرت العزلة الاختيارية لما يقارب المائتي عام، ولم يستثن من هذا القرار إلا جزيرتان صغيرتان كانتا مكانا لعبور البضائع الأوروبية تحت رقابة يابانية شديدة.
انتهت هذه العزلة بعد الضغوطات الخارجية وخصوصا الأميركية حتى يسمح بدخول الأجانب لليابان، لكن استمرت بعدم السماح لهم بالدخول إلا بأعداد بسيطة حتى بعد الحرب العالمية الثانية لدرجة أن اليابان احتفلت قبل عامين فقط بتجاوز عدد الأجانب فيها المليون وافد من أصل 125 مليون ياباني تقريبا، وعلى الرغم من تعداد اليابانيين الضخم حيث تحتل اليابان المرتبة العاشرة بعدد السكان فقد وافق البرلمان الياباني على زيادة عدد العمال الأجانب بواقع 300 ألف عامل سنويا خلال السنوات الخمس القادمة، وهذا بالتأكيد سيكون له تأثير كبير على الثقافة اليابانية والكثير من اليابانيين خرجوا بمظاهرات للاحتجاج على هذا القانون ولكن لم ينفع ذلك، لأن اليابان مجبرة على هذا القانون بسبب الحاجة الماسة للأيدي العاملة غير المهنية التي تقوم بالأعمال السهلة.
125 مليونا في دولة مساحتها أصغر من كثير من الولايات في أميركا لا يغطون الحاجة للأيدي العاملة، بينما نجد الكثير من الدول التي عدد سكانها أقل من هذا بكثير ونسب البطالة فيها تزيد عاما بعد عام، وهذا لم يأت بسبيل الصدفة، فاليابان اهتمت بتطوير العنصر البشري فيها فكان الفرد هو المحرك الأساسي للتطور، فتعليم الفرد بما يتناسب مع سوق العمل وغرس الأفكار والأخلاق الإيجابية فيه كان هو الهدف الأساسي للحكومات المتعاقبة حتى أصبح الياباني مثالا للعمل الدؤوب والجودة المعرفية.
وللمقارنة بين الأرقام اليابانية والأرقام الكويتية، نجد في تحقيق نشرته الزميلة «القبس» أن 161 ألف مواطن خريج جامعي جديد مرتقب سيعانون من البطالة، 64% منهم من خريجي تخصصات لا يحتاجها سوق العمل، كل هذا يحدث في دولة تعداد مواطنيها يقارب المليون وربع فقط، وكذلك نجد أن تخصصات مهمة كالفيزياء والرياضيات لا يتخرج فيها سنويا غير أربعة أو خمسة أشخاص، هذه الأرقام دليل واضح على عدم التنسيق بين مؤسسات الدولة وعدم مراعاة احتياجات سوق العمل، وهذه الأرقام لا تعطي نظرات إيجابية لما يقال بأن الكويت متجهة لأن تكون دولة متطورة في عام 2035، فلو كان توكوغاوا مواطنا كويتيا لأمر بالعزلة الاختيارية على الكويت حتى يعاد تنظيمها من الداخل.