لا أعرف عربية أسوأ من النظيرة بنت الساطرون ملك مملكة الحضر أول مملكة عربية خارج الجزيرة العربية، كانت مملكة الحضر التي يعود تاريخها للقرن الثالث الميلادي المنافسة لروما بتطورها وجمال عمرانها، حتى حماماتها كان فيها نظام تسخين متطور، تحيطها أبراج مراقبة وهي منيعة ضد الغزاة بسبب هندسة تعميرها وقوة أسلحتها، حتى الأقواس التي كان يستخدمها السكان ترمي بدل السهم سهمين في آن واحد، كان سكانها يؤمنون بتعدد الآلهة والشمس أو الشمش كما كانوا يسمونها حينها هي أكبر الآلهة، وبعد انتشار المسيحية في المنطقة تحولوا لها، نظام الحكم فيها ديموقراطي لكل فرد الحق في إبداء رأيه.
حدث وأن حاول الرومان والفرس احتلالها وكانت الهزيمة لهم بالمرصاد، بسبب قوة ومنعة مملكتنا العربية واستبسال سكانها بالدفاع عنها، حتى قرابة منتصف القرن الثالث قام سابور ملك الساسانيين، كما يذكر ابن هشام بحصارها سنتين وقيل أربع ولم يستطع لها سبيلها، والملك سابور كان (كشيخ) فلا يخرج إلا وهو بكامل حلته يلبس الديباج ويعتمر تاج الملك الذهبي المرصع بالزبردج واللؤلؤ والياقوت وفوق ذلك كان جميل الشكل، فرأته النظيرة بنت ملك الحضر فأعجبها وأرسلت له تقول: هل تتزوجني إن دللتك كيف تدخل مملكة أبي وتسيطر عليها؟، فقبل شرطها فدلته على الطريق، ودخل سابور المملكة وعاث فيها الفساد، وسفك الدماء، وكان القتل مصير الساطرون أبو النظيرة.
وفّى ملك الساسانيين بعهده وتزوج النظيرة وأخذها معه لمملكته وفي احدى الليالي سألها: كيف كان يعاملك أبوك؟ فأجابت بأنه كان يفرش لها الديباج ويلبسها الحرير ويطعمها أفضل الطعام ويسقيها أفضل الخمر فقال: إذا كان هذا فضل أبيك عليك وفعلت فيه ما فعلت فماذا أنت فاعلة بي، فأمر بأن تربط من شعرها بذيل حصان فركض الفرس حتى ماتت، فخلدها التاريخ بهذا الفعل والمصير السيئين، فهي لم تطل بر أبيها ولا حب قاتله.
النظيرة رمز لخيانة الإنسان لنفسه وللمجتمع، ولخيانتها أثر كبير على مجرى التاريخ، فالحضارة التي قضت عليها كانت من أجمل وأقوى الحضارات في العالم حينها، ولم يستطع أي جيش أن يهزمها لولا الخيانة، والخيانات أنواع ومستويات، فمن ينافق مسؤولا بقرارات ضد مصلحة المجتمع خائن، ومن يزور شهادته ليحصل على وظيفة أو منصب لا يستحقه خائن، والمرتشي خائن، ومن يسهل حصول شخص للجنسية دون أن يكون مستحقا خائن.. هم والنظيرة سواء.