يذكر التاريخ عن الدولة المغولية بقيادة جنكيزخان دمويتها وحبها لتدمير كل حضارة، على الرغم من ذلك استطاعت أن تحكم بقعة كبيرة من العالم، امتدت من الصين إلى أوروبا، غريب جدا أن المغول المعروف عنهم همجيتهم استطاعوا ذلك، ويرجع سبب مقدرتهم على ذلك ليس البطش والقوة العسكرية، كما تذكر نسبة ليست بسيطة من كتب التاريخ، إنما يعود السبب لاهتمام جنكيز خان بتعيين المستشارين الأذكياء وتقريبهم منه والاهتمام بهم وبذل كل الأسباب لتطويرهم الفكري والثقافي، فكانوا العقل المحرك لقوة المغول الهمجية.
أبرز مستشاري جنكيز خان كان الفيلسوف والطبيب ليو تشو تساي وأهم الاستشارات التي قام بها هي إنقاذه لـ 10 ملايين صيني بذكاء شديد، فحدث أنه بعد سيطرة المغول على (كانسو) أشار أحد قادة الجيش على الخان بأن يبيدها حتى يزرع مكانها أعشابا تصلح لرعي أحصنة الجيش فاستحسن جنكيز خان هذا الرأي، ولأن المغول لا يهتمون بالحضارة أو الثقافة والكتب فلم يستخدم المستشار ليو المعروف بالذكاء هذا الباب، وقال بدلا من إبادة 10 ملايين نستطيع أن نفرض عليهم الضرائب ونزرع العشب في مكان آخر، ولأن الخان لا يهتم إلا بتقوية الجيش ماديا وعسكريا، رأى أن من المهم أن يكون لديهم مدخول مادي قوي فأخذ برأي الفيلسوف، ونتيجة لذلك بقي لدينا الكثير من الكتب والحضارة والثقافة الصينية كتراث للبشرية.
قد تكون مهنة المستشار أكثر مهنة حساسة بعد القاضي، فكلما صلح المستشارون صلحت الدولة، فكم من مستشار أنقذ إمبراطوريات من السقوط، وكم من آخر كان سببا في سقوط دول، في الدول المتقدمة تطورت كثيرا مهمة المستشار حتى أصبحت هناك مكاتب استشارات ومراكز دراسات يعمل فيها أشخاص متخصصون، يقومون بدراسات في كل المجالات، فدولة مثل اليابان أغلب قراراتها السياسية والاقتصادية خصوصا، لا تخرج من السياسيين بل من مراكز الدراسات المدعومة حكوميا، ويقوم السياسيون والاقتصاديون بتبنيها فقط، وللأسف يكاد لا يكون لدينا مراكز دراسات في هذه المجالات، وجودها بالمجتمع يجعل القرارات أكثر دقة، وحتى لو لم يتم اعتماد قراراتها ممكن أن توضح أمورا لا يستطيع الوزير وحده أن يقررها.
من واقع التجارب الشخصية من الاجتماع مع مستشاري الوزارات، وللأسف غالبيتهم ليسوا مواطنين، يتضح من أول اجتماع مدى سطحية أغلب هؤلاء، وكل ما يملكونه من مميزات حتى يحصلوا على هذا المسمى هو الواسطة أو المحاباة للمسؤولين، والإطراء على قراراتهم حتى لو كانت خطأ، فالمستشار الحقيقي هو من يقول رأيه حتى لو لم يكن يعجب المسؤول، حتى يتضح لصاحب القرار أن هناك آراء ووجهات أخرى للقرار.