عام ١٩٧٧ نشرت مجلة الإيكونوميست تقريرا يفيد بأن هولندا مريضة، وسمت مرضها هذا بـ (المرض الهولندي)، وهو نوع من الأمراض التي تصيب الاقتصاد، فذكر التقرير أن هولندا تعاني من تراجع الصناعة فيها، والسبب أن عام ١٩٥٩ تم اكتشاف الغاز فيها، فأصبح اقتصادها يعتمد عليه، وارتفعت عملتها بشكل ملحوظ، فأدى ذلك الى تراجع صادراتها الصناعية لأنها أصبحت مكلفة بالتصنيع والتصدير، وحتى المنتج المحلي لم يكن يستطيع منافسة المنتج الأجنبي بالسعر، فأغلق أصحاب المصانع مصانعهم، زادت البطالة، كثر طالبو العمل، أصبح التوظيف يعتمد على (الواسطة)، ومن يتوظف لا ينتج، ادعى نسبة كبيرة من الناس الإعاقة لكي يحصلوا على المساعدات الحكومية، وبسبب الصادرات من الغاز كانت الدولة غنية، والشعب فقير، لأن الاقتصاد اقتصر على تصدير الموارد الطبيعية.
المرض الهولندي لم يكن مقتصرا عليها فقط، ويذكر التاريخ أن المرض أصاب إسبانيا في أوج تطورها، في القرن السابع عشر بعد أن اكتشفت مناجم الذهب والنحاس في مستعمراتها بأميركا الجنوبية فحدثت لها نفس الأعراض التي أصابت هولندا، وكذلك أصاب المرض كلا من النرويج وأذربيجان والمكسيك بسبب اكتشاف النفط فيها.
لم يكن الاقتصاد الخليجي قبل اكتشاف النفط يعتمد على الصناعة بشكل كبير، والاعتماد الأكبر كان على إعادة التصدير عن طريق السفن الشراعية، خصوصا بالمناطق والدول المطلة على الخليج العربي، فيذهب البحارة إلى الهند وإلى أفريقيا حاملين منتجات على سفنهم الصغيرة ليعيدوا تصديرها إلى دول أخرى، فالأجيال السابقة لديها خبرة كبيرة بإعادة التصدير، ولكن مع اكتشاف النفط أصبنا بأعراض المرض الهولندي، فأصبحنا غير قادرين على الإنجاز، ما تنجزه الدول بأشهر يستغرق سنين لدينا، صحيح أن لدينا رخاء ماديا لكنه ليس دائما، ولم نستفد منه بإنشاء المصانع لأن تكلفة الإنتاج ضخمة جدا مقارنة بالدول الأخرى.
للأسف لم نستفد من خبرة الآباء والأجداد بإعادة التصدير، وكان بإمكاننا أن نطورها بما يتناسب مع العصر الحالي، فالدول ذات العملة النقدية عالية السعر لا تسطيع التصنيع، والبيئة الخليجية وشدة حرارتها والتكوين الاجتماعي لا يحبذ السياحة، من مميزات إعادة التصدير ان يحدث ارتباط بين مصالحنا ومصالح الدول القريبة منها، فيزيد قوة تأثيرنا الإقليمي، ولا يحتاج الى عمالة مهنية شديدة التدريب مثل قطاعات برمجة الكمبيوتر وخلافه من الصناعات التي من الممكن أن تصنع في دول ذات الدخل المرتفع، ومن الممكن أن نبني اقتصادا ينافس صادراتنا عن طريق إعادة التصدير.