لم تتطور الفلسفة وعلم التفكير في أي بقعة بالعالم مثلما في الصين التي يمتد تاريخها إلى 5 آلاف سنة قبل الميلاد، وهو تاريخ كله عبارة عن فلسفة، ولا ينافسها في ذلك إلا جارتها الهند ولكن يعاب على الفلسفة الهندية أنها تعتمد على النقل الشفهي، بعكس الصينيين الذين لو عطس حاكم دونوا عطسته من شدة تدوينهم لكل صغيرة وكبيرة، فلا عجب أن يكتشف الورق لديهم.
التطور الفلسفي الصيني يكاد يكون خزينة أفكار للعالم أجمع، فهناك حقبة تسمى في التراث الصيني بحقبة المائة مدرسة فكرية وتمتد من عام 476 إلى 221 ق.م، ويقصد بالمدرسة طريقة فلسفية مختلفة عن غيرها لها منهجها الخاص في التعامل مع الحياة والتعاطي مع الأمور الفكرية التي تشغل الإنسان منذ وجوده على الأرض، ولا عجب أن هذه الحقبة هي التي أنتجت كونفوشيوس الفيلسوف الكبير الذي حوّل مريدوه فلسفته إلى ديانة، مازال لها التأثير الأكبر في العادات الصينية واليابانية والكورية.
أجمل ما يميز هذه الفلسفة أنها بسيطة يفهمها حتى الأطفال بطريقة توصيل معلومة ذكية، الأمثلة على ذلك كثيرة، أذكر منها، هذه القصة العميقة المعنى السهلة الفهم، فيذكر أن طفلا سأل أباه الحكيم عن قيمة الإنسان فقال له الأب خذ هذه الصخرة واذهب بها إلى السوق ومن يسألك عن سعرها لا تجبه إلا برفع إصبعين من أصابع يدك، ففعل الطفل وجاءت إليه سيدة تريد أن تشتري الصخرة لحديقتها، فرفع الطفل إصبعين، فقالت يوانين، رجع الطفل لوالده يخبره بالسعر، قال له الوالد اذهب بالصخرة للمتحف وانظر كم يقيّمون الصخرة، فقيموها بمائتي ألف يوان، أخبر الطفل والده بالسعر، فقال له اذهب بها لتجار الأحجار الكريمة وانظر، فعرضوا عليه مليوني يوان، فقال الأب يا بني إن قيمة الإنسان بالمكان الذي يختاره لنفسه وليس بالمحيط، فإن أنت وضعت نفسك في مكان لا يليق بك فستجد ما لا يليق بك، اختر بعناية أي الأماكن والأشخاص والبيئة المناسبة لك وستكون قيمتك مرتفعة.
من التأثيرات الجميلة لهذه الفلسفة على الصين منذ ٢٠٠٠ سنة، والصين تعين الموظفين الحكوميين عن طريق الاختبارات ومن اجتاز الاختبار يعين، والكل له الحق في أن يتقدم الى الاختبار، ويذكر التاريخ الصيني أن أحد رعاة الخنازير استطاع أن يصبح رئيس وزرائها عن طريق هذا الاختبار.
نستطيع أن نستفيد كثيرا من الفلسفة والفكر الصيني عن طريق ترجمة كتبهم والتواصل والاحتكاك المباشر مع هذه الثقافة، ولا يكون احتكاكنا مقتصرا على الثقافة الغربية، فالتنوع في موارد الثقافة إثراء لمجتمعاتنا، فأعتقد أنه من المهم جدا تكثيف البعثات للصين وشرق آسيا بالعموم حتى نفهم ثقافتهم، فالعالم بالقريب العاجل سيكون تحت سيطرة اقتصادية صينية.