لو افترضنا أن بيل غيتس ولد في عصور الظلام لكان في الغالب يعمل كسائس خيل أو مزارع، أو أنه ولد في نفس الزمان ولكن في مكان مختلف، أفريقيا مثلا، لكان يعمل بمنجم، الفكرة أنه لا يوجد شخص عظيم بذاته، إنما توجد مجتمعات تصنع عظماء.
ظهر بيل نتيجة تفاعل بين المجتمع والنظام التعليمي، فأهم حادث بحياته العلمية كانت عندما كان في عمر 11عاما ويدرس في مدرسة ليكسايد عام 1967، قررت المدرسة أن توفر لطلبتها كمبيوترات لكن كانت الحواسيب في حينها ضخمة جدا ومكلفة، لم تستطع المدرسة توفير المبلغ لذلك، قرروا أن يشتروا حسابات مستخدمين توفر لطلبتها حصصا زمنية لاستخدام الحواسيب، وهذه كانت مكلفة كذلك على المدرسة، هنا بدأ التفاعل الاجتماعي مع التعليم المتمثل في المدرسة، فبدأ مجلس الأمهات بجمع التبرعات حتى تتمكن المدرسة من شراء هذه الفترات الزمنية لاستخدام الحاسوب، ونجحوا في جمع عدة آلاف لهذا الغرض، فوفروا للطلبة هذه الحصص، وبدأ ولع بيل غيتس بعالم الكمبيوتر وتغير طريق حياته، فلو لم يحدث هذا التفاعل والتبرعات لكنا لم نعرف بيل غيتس.
عند قراءة قصص نجاحات الأفراد، دائما ما يتم عزل التأثير الاجتماعي عن القصة، فيذكر نجاحات الفرد دون ربطها بالمجتمع، لإضافة تشويق للقصة ليظهر الشخص الناجح وكأنه «سوبر هيرو» عصامي لم يحتج مساعدة أحد، والواقع أنه لو رجعنا إلى تفاصيل هؤلاء الناجحين لوجدنا أن الغالب منهم ظهر نتيجة تفاعلات اجتماعية يكون خلالها المجتمع هيئ كل الظروف لاستقبال هذا الناجح، فالمجتمع الأميركي كان متفاعلا مع الكمبيوتر، وكانت الحكومة تدعم تطوير هذا المجال لعلمها عن طريق الدراسات التي أجرتها أن لغة العالم ستكون الكمبيوتر، فكل الظروف كانت مهيئة لظهور بيل غيتس، ولو ولم يظهر بيل لظهر غيرة في أميركا، خصوصا أن المجتمع الأميركي كان أكثر المجتمعات المهيئة لظهور شخص يطور مجال الكمبيوتر.
المجتمعات تصنع الأفراد العظماء، وواضح أن مجتمعاتنا فاشلة في هذا، فلا نجد مراكز دراسات فعلية تخطط للمستقبل، ولا نجد دعما ماديا ومعنويا لصناعة العظماء، وحتى من ينجز إنجازات خجولة بين فترة وأخرى لا يهتم به ولا يتم تطويره، فيجد أن المجتمعات والحكومات مهتمة بمشاهير السوشيال ميديا أكثر من العلم والعلماء، لذلك يموت العالم حتى قبل أن يولد، فمن يريد البروز يصبح مشهور وسائل تواصل اجتماعي أو فشينيستا إن كانت سيدة، فالإنسان ابن بيئته.
فاعتمادا على هذه المعطيات تكون النتيجة انه لو كان بيل غيتس كويتيا لأصبح فشينيستا.