افترض الفيلسوف أفلاطون أن مجموعة من الأشخاص مكبلين بالسلاسل داخل كهف ولا يستطيعون أن يروا شيئا من الحياة غير جداره، وكانت النار خلفهم، فيمر الجنود حاملين العدة والعتاد من أمام النار دون أن يراهم المساجين، فكل ما يراه المساجين مجرد انعكاسات الجنود وما يحملون على جدار الكهف، فمن البديهي أن يعتقد المساجين أن هذه هي الحياة، مجرد انعكاسات، وحدث أن فكت قيود أحدهم وخرج من الكهف ليرى الحياة على حقيقتها، فانبهر بجمال الشمس وظلام الليل والأشجار والجبال، وبعد أن وعي أنهم مساجين وأن الحياة أجمل بكثير من كهفهم، رجع لأصحابه ليخرجهم من الأسر ويخبرهم عن الحياة وجمالها، فيصدم بأن أصدقاءه يرفضون فك قيودهم وبدأوا بالضحك عليه مؤمنين بأنه مجنون، فلو حاول إجبارهم قتلوه.
هذه القصة الافتراضية المختصرة بتصرف تسمى (كهف أفلاطون)، وهي تشير إلى أن الإنسان عبد لبيئته ويقدس كل شيء متعود عليه، وأن نظرة الفرد العامة للحياة مكبلة بقيود، نادرا من يستطيع أن يفك هذه القيود ويخرج من إطار بيئته، ومن يخرج سيتعرض للنبذ والاحتقار من مجتمعه، فقط لأنهم لم يروا ما رآه.
هناك تحيزات معرفية شبيهة بالقيود الفعلية التي تكون في عقل الإنسان، بسببها يصبح عبدا للبيئة التي يعيش فيها، وحتى إن خرج منها يأخذ هذه القيود معه، وأحيانا يتعدى الأمر إلزام نفسه بهذه القيود بل يرغب في أن ينشر هذه القيود على من حوله، ويقضي حياته في نشر هذه القيود ومحاربة كل من يرغب في إخراجه أو إخراج معارفه منها.
هناك مجتمعات بارعة في وضع هذه القيود وزيادتها قدر المستطاع، والمجتمعات العربية بالغالب من ضمن هذه المنظومة (الأبوية) كما يصنفها علماء الاجتماع، وإن كانت التكنولوجيا الحديثة وعلى رأسها وسائل التواصل قللت من هذه السلطة الاجتماعية إلا أنها مازالت لديها هيمنة كبيرة على عقول أفرادها.
مجرد أن تعرف اسم العائلة في المجتمعات العربية (الخليجية خصوصا) ستعرف الكثير من المعلومات عن هذا الفرد كالمستوى المعيشي وتأثيره داخل المجتمع وحتى المهن كانت ومازالت تورث، فيصعب على الفرد أن يخرج من هذا الإطار وهذه تعتبر خسارة اجتماعية كبيرة، فلن يستطيع من لديه الأهلية لتطوير المجتمع من ممارسات واجبه الاجتماعي في التوعية والتطوير.
الحلول الإيجابية التي يطرحها علماء الاجتماع في هذا الخصوص كثيرة وذات جدوى متى ما طبقت، لكن مشكلتها أنها غير قابلة للتطبيق في المجتمعات التي ترفض أن تتخلى عن سلطتها على مجتمعها، فلهذا النظام الاجتماعي مستفيدون كثر لأنهم يقبلون بأن يتنازلوا عن هذه السلطة التي أعطاها إياهم هذا النظام، فاليابان التي كانت ذات نظام اجتماعي أبوي، عندما رغبت في التغيير ثارت طبقة الساموراي، ونتيجة لذلك حدثت حرب داخلية تسببت في موت الكثير، وحالنا مثل اليابان في السابق لدينا طبقات اجتماعية عربية مستفيدة مثل الساموراي ترفض هذا التغيير وبشراسة.