جن جنون الاسبان بعد أن تمكنوا من غزو بيرو عام ١٥٣٢ بعد أن رأوا كميات الذهب المهولة التي حققوها من غزوهم هذا، والكل أصبح يحلم بالغنى السريع بسبب الذهب المسروق، وانتشرت القصص بأن هناك كميات أكبر منه لدى مملكة يقوم ملكها بدهن نفسه بالذهب كل عام ويغوص داخل بحيرة، وأن كل طرقها وحوائطها مطلية بالذهب وأنها أغنى من مملكة الإنكا التي غزوها في بيرو، وأطلقوا على هذه المملكة اسم «أل دورادو» وتعني المذهب بالاسبانية.
عام ١٥٤١ أبحرت سفينة اسبانية فيها ٣٦٠ عسكريا اسبانيا بعدتهم ومعداتهم وعندما وصلوا لبيرو أخذوا ٤٠٠٠ شخص من الإنكا كعبيد لهم وليخدموهم في طريق رحلة اكتشافهم لمملكة أحلامهم مملكة الذهب وأخذوا معهم ٤٠٠٠ خنزير وغيرها من المواد سهلة النقل وقابلة للأكل خلال الرحلة، وبعد انطلاقهم بقليل واجهتهم أمطار مدارية أرهقتهم وأتلفت مخزونهم من الطعام، والخطأ الكبير الذي دمرهم هو قيامهم بتعذيب عبيدهم من الأنكا ورميهم للكلاب حتى يأكلوهم في حال لم يعرفوا مكان مملكة «أل دورادو»، ولكي يحمي العبيد أنفسهم من التعذيب أصبحوا يتصنعون بأنهم يعرفون الطريق فأخذوا يتوغلون بالأدغال أكثر وأكثر حتى أصبح الأسبان لا يستطيعون العودة ولم يصلوا لمبتغاهم فتاهوا بالأدغال هم وعبيدهم، ولم يعد من الـ٤٣٦٠ شخصا غير أقل من مائة، بعد تيههم في الأدغال لمدة عام ونصف العام.
وعلى الرغم من فشل الحملة لم يتوقف الاسبان عن إرسال الحملات الواحدة تلو الأخرى ومن فشل إلى فشل، وكل حملة كانت تكلفهم الكثير، ولم يستوعبوا أنهم كانوا يبحثون عن سراب نسجوه من خيالهم، وضيعوا ما كسبوه من ذهب وأموال من مملكة الإنكا على هذه الحملات وحياة الترف والإنفاق غير المنطقي على الحروب مع دول أوروبا، فخسروا أموالهم وتقلص عددهم إلى نصف عدد السكان بسبب هذه المهاترات.
ما أشبه ذهب الإسبان بنفطنا، فنحن سعداء بحصولنا عليه لكن يضيع بين السرقات والمناقصات الورقية الضخمة التي تكاد جدواها تكون معدومة، ومازلنا رغم مرور عشرات السنين من اكتشافنا لهذه الثروة لا توجد لدينا خطة طريق واضحة للاستفادة من هذه الثروات، صحيح أننا تطورنا كثيرا بالمظاهر مقارنة بأجدادنا، ولكن للأسف القيمة الفكرية لم تتطور وقد تكون تأخرت، فبمقارنة بسيطة بين القيمة الفكرية لجيل أجدادنا قبل النفط وأجيالنا الحالية يتضح أن الغلبة تكون لجيل الأجداد من ناحية الفكر وحب التعلم والمعرفة، فكانت أهمية الإنسان لديهم بجوهره وأصبحت أهمية الإنسان لدينا بمظهره وأملاكه.
الخلاصة أن كل شعوب الأرض تمر عليها فترة تصبح فيها غنية، الشعوب التي تختار أن تطور فكرها بالعلم والمعرفة تدوم وتصنع حضارة، ولدينا هذه المقومات حاليا فكل ما نحتاجه هو خطة طريق.