واضح جدا أن أميركا تخشى من الصين من أن تزعزع مكانتها العالمية أو تنازعها عليها على أقل تقدير، وهناك مؤشرات قديمة كثيرة تدلل على هذا، لكن في الحرب الاقتصادية الحالية بين الصين وأميركا برزت هذه المخاوف الأميركية بشكل كبير، فهي لا تستطيع أن تدخل حربا مباشرة مع الصين لأسباب عديدة أهمها أن الصين تملك أكبر عدد من سندات الخزينة الأميركية بعد اليابان، وهذا يعني بلغة الشارع أن الصين ثاني أكبر دولة (تسلف) أميركا، فأي فعل مباشر تجاه الصين سيجعلها تستخدم هذا السلاح الذي سيضر الصين وأميركا والعالم أجمع، لكن في حالة الحرب المباشرة عليها ستستخدم الصين هذا السلاح، ومن أهم الأسباب التي تمنع أميركا من الدخول في حرب مباشرة مع الصين هو التعداد الصيني الضخم والمساحة الشاسعة للصين وقوة الجيش إضافة إلى النووي الصيني، فحتى لو انتصرت أميركا في الحرب المباشرة مع الصين ستكلفها كثيرا من الأموال والأرواح الأميركية، وقد يؤدي هذا إلى تزعم روسيا للعالم عوضا عن البلدين.
بمعنى آخر نعيش حاليا نفس ظروف الحرب الباردة السوفييتية - الأميركية، فأميركا لم تستطيع أن تدخل في حرب مباشرة مع السوفييت، وعوضا عن ذلك حاربته في أماكن أخرى من العالم ككوريا الشمالية وأفغانستان، هنا يأتي السؤال الذي يجب أن تسأله دول العالم الثالث لنفسها، أين ستحارب أميركا الصين؟!
تطرقنا في المقال السابق إلى أن أميركا تطمح لأن تعيد الطريقة الأفغانية مع الصين، وذلك في منطقة تركمانستان الشرقية التي يتواجد فيها ثاني أكبر منابع النفط والتي تغذي الصين بنسبة كبيرة من نفطها المنتج داخليا، ومنذ فترة لم تهدأ الأمور في تلك المنطقة، ونلاحظ أن الإعلام الغربي يسلط الضوء بشكل قوي على ما يسمونه «الاضطهادات الصينية تجاه المسلمين» هناك، فقد تكون أميركا تطمح لإرسال (المجاهدين) هناك حتى تشغل الصين في نفسها، وتفجير مصافي النفط الصينية عن طريق (المجاهدين) المسلمين.
الاحتمالية الثانية تكون ضرب الاقتصاد الصيني عن طريق عرقلة استيراد الصين للنفط، وملاحظ بشدة خلال السنوات العشر الأخيرة القفزات الأميركية في إنتاج النفط الصخري الأميركي وتسارعها من تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط، وهي حاليا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هذا الهدف، لذلك لن يهمها كثيرا ارتفاع أسعار النفط في العالم وقد يكون مفيدا لها ارتفاع الأسعار في حال تحقيقها للاكتفاء الذاتي من النفط، بينما مازالت الصين تعتمد على النفط المستورد، فهي تستورد نصف استخدامها اليومي المتزايد باستمرار من الخارج.
دول الخليج العربي هي أكبر مصدر للنفط إلى الصين، ومن المنطقي إذا ما كانت هناك نية فعلية لدى أميركا لضرب الاقتصاد الصيني، ستكون عن طريق خلق بلبلة في المنطقة التي تعتمد الصين عليها في استيراد النفط، وقد يكون تفجير سيارة قاسم سليماني الأسبوع الماضي ضمن هذا الإطار، وأي ردة فعل كإغلاق مضيق هرمز لفترة أشهر بسيطة كفيل بأن يتسبب في تدهور الاقتصاد الصيني، ولا نعلم ما هي الخطط المستقبلية لهذا التوجه إذا صحت التنبؤات السابقة.
لا يهدف هذا المقال لنشر الفكر السلبي، لكن هي مجرد أفكار تحتمل الخطأ والصواب، ومن المنطقي وضع هذه الاحتمالات في الحسبان حتى نستطيع كمنطقة أن نحتمي من أي مشاكل مستقبلية، وهو من باب المقولة السياسية القائلة بأن عالم السياسة يعتمد على الشك أكثر بكثير من فرض حسن النوايا وذلك مع الدول الصديقة قبل الدول العدوة.