سر تطور أي دولة مرتبط بتعليمها، فكلما كان التعليم متطورا تطور المجتمع فكريا، ثم ينعكس هذا التطور الفكري على السياسة ومنها إلى الاقتصاد، التطور الياباني يضرب فيه المثال في سرعة النمو الاقتصادي، لذلك من المفيد أن نعرف كمجتمعات عربية سر تطور اليابان التعليمي، سأنقل هنا بعض النقاط من خلال خبرتي بالتعليم والتعلم بالإضافة إلى دراستي تخصص طرق التدريس في جامعة هيميجيدوكيو اليابانية وكتاب Japanese and U.S. Education Compared.
تبدأ جودة المعلم من المجتمع ونظرته لهذه المهنة، والمجتمع الياباني يقدسها، فكلمة سنسي التي تعني معلم باليابانية لها احترام كبير، وهي تعني حرفيا الشخص الذي عاش قبلي وله خبره في مجاله، ولا تطلق على المعلم فقط، وتطلق كذلك على الرهبان والمهنيين وكل شخص له باع في مجاله، فهي تحتوي في طياتها على التقدير والاحترام يجعل كل شخص يفتخر بحصوله على هذا اللقب. ووظيفة المعلم لا تقتصر على التعليم فقط، وقد تكون التربية لديهم أهم من التعليم، فصورة المعلم لدى اليابانيين صورة شخص متفان في عمله، يسلك كل الطرق لتوصيل المعلومة، وتقويم أخلاق طلبته.
أما مهنة التدريس كمدخول مالي تعتبر من المهن المدرة للمال، فمتخذو القرار الياباني حريصون على أن تكون هذه المهنة جاذبة أكثر من غيرها، فالمدرس يتسلم راتبا مقاربا للمهندس أو العالم، ومعاشا تقاعديا يطمح إليه الكثيرون، لذلك يقدم سنويا على هذه المهنة أعداد ضخمة، ولا يتم قبول سوى 20% فقط استطاعوا أن يجتازوا الاختبارات المعروفة بصعوبتها والمقابلات الشخصية التي تختبر مدى مقدرة هذا الشخص على التعامل الإيجابي مع الطلبة. والمتقدمون إلى اختبارات المعلمين لا يشترط أن يكونوا متخصصين في المادة المقدمين عليها، فكل شخص في اليابان متخرج من الجامعة يستطيع أن يصبح مدرسا لأي مادة يرغبها، وليس مهما تخصصه الجامعي بشرط أن يجتاز الاختبار المخصص للمادة.
من واجبات المعلم الاتصال بأهل الطالب وقد يزورهم في المنزل لمناقشة مستوى الطلاب ومشاكلهم، و٧٥% من المدرسين اليابانيين منتظمون مع جمعية المدرسين المحترفين، وهي جمعية تعطي دورات وحلقات نقاش حول طرق التدريس الحديثة وحل المشاكل التي تواجه المدرسين والتربية الحديثة وحسن التعامل مع الطلبة، هذا بخلاف ما تقوم به وزارة الثقافة اليابانية من دورات وتدريب. والمعلم الياباني مؤمن بأن الطالب يستطيع أن يطور نفسه بالاجتهاد، فكلما اجتهد المعلم والطالب كانت النتيجة أفضل، وبأنه لا يوجد طالب فاشل، بل يوجد طالب ومعلم مقصران، عكس ما نجده لدينا بأن يلقى اللوم على الطالب وحده أو على الفروقات العقلية بين الطلبة وخلافة من اعذار التهرب من المشكلة.