يدعي اليابانيون أن لغتهم أقدم لغة في العالم، بينما يرفض ذلك جيرانهم الصينيون ويدعون أن لغتهم هي الأقدم، وكذلك العرب، وأغلب الحضارات العالمية تؤمن بأن لغتها هي الأقدم، فكل حضارة ترى العالم من وجهة نظرها، وتنسب لنفسها فضلا على البشرية، وهذه في الحقيقة من طبيعة البشر أن يؤمنوا بأن جماعتهم التي ينتمون إليها هي الأفضل، أو كما يسمى في نظرية الانحيازات المعرفية (انحياز للمجموعة).
الدول العربية التي كانت تعاني من ارتفاع نسبة الأمية في مطلع القرن العشرين، بعد أن استقلت من المستعمر، أرادت أن تلاحق ما فاتها من العلم، فقامت بترجمة المناهج الدراسية الغربية والعلوم وبدأت بتدريسها، وهذا كان في وقتها تحت تلك الظروف حلا جيدا، لكن الملاحظ في تلك المناهج هو تحيزها للثقافة الغربية، فنجد مثلا أن مكتشف أميركا هو كولومبوس بينما هناك خريطة وضعت بالصين لأميركا وأستراليا بجبالها وأنهارها عام 1418، أي قبل اكتشافات كولومبوس بفترة طويلة، وهناك معلومات ومصادر عربية تتكلم عن أميركا قبل كولومبوس بكثير، والعالم المسلم البيروني أول من اكتشف كروية الأرض وقاس نصف قطر الأرض وأخرج إجابة صحيحة تختلف عن المقياس الحالي 16 كم، وأول من قال كذلك ان الأرض تدور حول محورها، بينما تجد في بعض المناهج العربية اسم عالم غربي حديث وينسب له اكتشاف كروية الأرض.
الخطورة في ذلك تكمن في غياب القدوة لدى النشء خصوصا والمتلقي العربي عموما، فعندما ندرس أن كل من اخترع أو اكتشف هم أسماء غربية، يسبب ذلك روحا انهزامية مستسلمة وتؤمن بأن العلم من أصول غربية فيغيب الحافز، وكذلك نظرتنا للأمم الأخرى كالأفريقية والآسيوية كالصينية واليابانية تصل إلينا عن طريق غربي يختار المعلومات التي يسربها إلينا، فالخبر عن تلك المناطق يصل إلينا عن طريق وكالات أخبار غربية، والكتب الصينية مثلا تترجم إلى الإنجليزية وتتغير مفاهيمها لتفهم لدى المتلقي الغربي ثم نقوم نحن بترجمتها إلى العربية بوجهة نظر غربية أيضا.
بسبب الظروف التي مرت بها الأمة العربية، استوردنا العلوم والتاريخ بوجهة نظر غربية بحتة، دون أن ندقق ونغربل المعلومات التي استوردناها، فأصبحنا نرى العالم من وجهة نظر مستوردة، ولذلك أعتقد أن الأوان قد حان لتغيير هذه المفاهيم والأفكار وصناعة مناهج تعزز وتغرس أفكارا ومفاهيم تطور من وضع مجتمعاتنا.