البحث عن القدوة طبيعة متأصلة لدى الإنسان الذي فطر على أن يكون كائنا اجتماعيا، التقليد جزء لا يتجزأ من الكيان البشري، فتجد من يقتدي بوالديه أو مفكر، وآخر يقتدي بمجرم أو مهرج، كل حسب ظروفه وبيئته وجيناته، ولا شك أن ثروة المجتمع الفكرية تكون بعلمائه ومفكريه، وهم موجودون في كل المجتمعات، متى ما كان لهم الرأي والمشورة وتسويق أفكارهم لدى الجمهور ليصبحوا قدوات كان المجتمع أقرب للتطور منه للتدهور، المجتمعات الحية تصنع من هؤلاء العلماء والمفكرين قدوة لأطفالهم، بشكل موجه ومقصود، عن طريق خطط تهدف لغرس الأفكار التطورية للنهضة.
وسائل التواصل الاجتماعي سهلت الوصول للأشخاص المشهورين بشكل عام، سواء كانوا مشهورين بالعلم أو بالفكر أو بعرض الأزياء والمكياج، ولأن الإنسان كسول لا يحب التفكير بطبعه، أصبح أغلب الناس يتابعون الأشخاص الذين يروجون للأمور الخفيفة على العقل التي تخاطب الشهوات لدى البشر، والإقبال على مروجي الفكر والعلم أشبه بسيط جدا مقارنة بالأول، فقامت الدول المتطورة بالترويج إعلاميا وفكريا للعلماء، فبريطانيا مثلا لديها فريق الرؤى السلوكية وهي إدارة حكومية، وأميركا لديها مكتب سياسات العلوم والتقنية، وهما مختصان بدراسة سلوك المجتمع وتطويره.
انتشار شبهات غسيل الأموال بين مشاهير التواصل الاجتماعي الذين كانوا ومازالوا قدوات للأطفال والمجتمع، يجب أن نقف عنده فسواء أدينوا بذلك فهم مجرمون، ولا يوجد مجتمع يسمح لمجرمين بأن ينشروا فكرهم ويصبحوا قدوات للأطفال، وإن لم يدانوا فالفكر السطحي والاستهلاكي الذي يروج له نسبة كبيرة منهم لا يمكن أن يشكل أجيالا واعية ذات فكر تطوري، ثم نسمع انتقادات بأن الأجيال القادمة أجيال اتكالية، بسيطة التفكير، أليس الجيل القادم بذرة الجيل الحالي، فكيف نصنع جيلا واعيا دون أن نبني لهم البيئة الفكرية السليمة.
تنقسم تنشئة الأطفال في أي مجتمع إلى تنشئة مقصودة ولا مقصودة، أما الأولى فيقصد بها كل ما يتم تعليمه للطفل بشكل مباشر ومقصود مثل العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء وحتى اللغات وخلافه بهدف تطوير مهارات الطفل، والثانية يقصد بها الأعراف والعادات الاجتماعية التي يكتسبها الطفل من المجتمع بشكل غير مباشر، فاحتكاك الطفل مع أقرانه بالمدرسة ويتعلم منهم مصطلحات وأفعالا سواء إيجابية أوسلبية هذا نوع من التنشئة غير المقصودة، وتعلم الطفل بشكل مباشر في مادة الرياضيات مثلا هذه تنشئة مقصودة.
أفضل طرق التعليم في وقتنا الحالي هي الطرق التي تعتمد على التنشئة المقصودة وتكون بإطار لا مقصودة، فيتم توجيه الأطفال للتنشئة الصحيحة بطرق غير مباشرة حتى لا يمل الأطفال لأن التنشئة المقصودة مثيرة للضجر، ومفعولها أقل من اللامقصودة.