نفس الإنسان بنفس الأفكار بنفس التربية ونفس الجينات الوراثية، لكن بمجرد تغيير المكان فقط يتغير من حال إلى حال، الشخص الذي يقوم برمي القمامة وتجاوز الطابور والرعونة في القيادة في الكويت يقوم بعكس ذلك تماما عندما يكون في دولة أوروبية مثلا، وبما أنه لم يتغير شيء بالأفكار وجينات وتربية الشخص فإذن الخلل غالبا يكون في العامل الذي تغير فقط وهو المكان.
دائما ما نسمع أن نسبة كبيرة من سكان الكويت مقيمين وكويتيين وسكان الخليج عموما، عندما يسافرون للخارج يلتزمون بقوانين تلك الدول، وعندما يتواجدون بالخليج لا يلتزمون، وهذا بالحقيقة واقع ملحوظ، وهو تصرف بشري طبيعي ومن أساسيات الفطرة البشرية، فمؤسس علم الاجتماع ابن خلدون ذكر في مقدمته بأن الإنسان يتجاوب مع المؤثرات الاجتماعية، وإذا كانت مؤثرات المجتمع توحي بعدم النظام يؤثر ذلك على الفرد، فالمجتمع الذي لا يطبق القانون أو يطبقه بانتقائية لا يلتزم أفراده فيه والعكس صحيح، وهذه المؤثرات لا تحدد نظافة الفرد وتطبيقه للنظام فقط، إنما تتسع لتشمل كل السلوكيات المجتمعية وهي مقياس لتطور المجتمع من عدمه، فالموظف الذي لا يعمل في الخليج تجده في منتهى الإخلاص في مكان آخر، لأن هذا المكان لا يعترف بالواسطات والمحسوبيات وان وجدت وتم كشفها يحاسب كل مرتكبيها.
مكان عيش الإنسان يفرض عليه سلوكا معينا وطريقة حياة معينة، فلو افترضنا أن مؤسس موقع أمازون جيف بيزوس كان يعيش في الخليج فغالبا لن يستطيع أن يؤسس إمبراطورية أمازون، لأسباب عديدة منها عدم توافر البنية التحتية كالبريد العملي الفعال ولا وسائل النقل الحديثة كالقطارات، وعدم وجود الأسبقية، وأقصد بالأسبقية هو أنه عندما أطلق أمازون كان الشعب الأميركي لديه ثقافة شراء الكتب ولديه ثقافة الشراء من الإنترنت فقام جيف بربط هاتين الفكرتين، وأطلق الموقع الذي كان متخصصا في بيع الكتب في بدايته، بينما لم يكن في الخليج حينها هذه الثقافة، ولو قام أي موقع بتقليد فكرته غالبا لن يستطيع منافسته لأنه خسر الأسبقية.
الطالب الخليجي كذلك لا يختلف عن أقرانه في اليابان وأميركا وسنغافورة بمستوى الذكاء، المختلف هو طرق التدريس والمناهج التعليمية، وهذا ينطبق على العقول كذلك، فلدينا عقول مبدعة جبارة لكن لا توجد لديهم البيئة لتفريغ هذه العبقرية في التكنولوجيا وغيرها من المجالات، فالمغزى هو أن إلقاء اللوم على الفرد وسلوكه وجعله سبب عدم التطور هو باطل لعدم توافر المؤثرات الإيجابية التي تكلم عنها ابن خلدون وغيره من علماء علم الاجتماع.