نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
منذ أن لاحت في الأفق بوادر مشكلة شح السيولة النقدية في الخزانة العامة للدولة، حتى بادرت الأجهزة المعنية بالإدارة المالية العامة بالمضي في تنفيذ خيارات لتوفير السيولة اللازمة لتمويل عجز الموازنة العامة، وقد استنفدت تلك الأجهزة معظم الخيارات المتاحة لها، وكان آخرها مبادلة أصول احتياطي العام باحتياطي الأجيال القادمة.
وقد اكتنف عملية التبادل تلك الغموض، فتارة قيل إنها عملية بيع وشراء وفق ما صرح به وزير المالية السابق والتي تمت بموجب موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار بقيمة 2.5 مليار دينار لصالح احتياطي العام، كما أكد أن تقييم الأصول تم بشكل دقيق في وقت الشراء وبالقيمة السوقية، وتارة أخرى ينقل عن مصادر حكومية من خلال تقارير صحافية اقتصادية بأنها عمليات مبادلة للأصول ونقل الملكيات وفقا لآلية محاسبية تضمن توفير السيولة والتي تم البدء بها فعليا منذ يونيو 2020، كما أشارت ذات التقارير الى ان من بين تلك الأصول مؤسسة البترول الكويتية، وتم التبادل بقيمتها الدفترية والتي تعادل 2.5 مليار دينار.
وفي ظل تلك التصريحات والتقارير المتضاربة حول حقيقة التبادل في الأصول بين الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال، يثار تساؤل هنا: هل ما تم بين الصناديق السيادية هي عملية بيع وشراء حقيقية، أم مجرد تبادل ونقل أصول فيما بينها؟ وهل يمكن أن تتم تلك العملية بهذه البساطة المطروحة؟
في رأيي أن الموضوع أكثر تعقيدا مما نتصوره، فهناك جوانب فنية ومالية وقانونية في هذه المسألة، فالأمر ليس مجرد نقل أصول دفتريا كما يتصوره البعض أو كما يصوره البعض لنا، نحن أمام صناديق سيادية أسست بموجب تشريعات مختلفة، وذات ذمم مالية وقانونية منفصلة، وان كانت تملكها جهة واحدة ممثلة بالدولة.
فالاحتياطي العام جاء نتيجة للمرسوم بقانون المرسوم بقانون رقم 31 لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي، أما احتياطي الأجيال القادمة فجاء بموجب المرسوم بقانون رقم 106 لسنة 1976، وكلاهما تتولى الهيئة العامة للاستثمار باسم حكومة الكويت ولحسابها إدارة استثمار أموال تلك الاحتياطيات بموجب قانون إنشاء الهيئة رقم (47) لسنة 1982.
كما أن عملية تقييم الأصول عملية معقدة فهي تخضع لمعايير وعوامل مؤثرة، فعلى سبيل المثال لو أخذنا مؤسسة البترول كأحد الأصول التي نقلت أو بيعت للاحتياطي الأجيال، فإن العوامل الرئيسية المؤثرة لتقييم المؤسسة تتمثل في مدى ضمان توزيع المؤسسة للأرباح، واستدامة التدفق النقدي بها وحجم الموارد التي تمتلكها، مع الأخذ بعين الاعتبار مخاطر التركيز المرتبطة بالنشاط النفطي للمؤسسة.
فهل تلك المعايير والعوامل أخذت بعين الاعتبار عند تقييم المؤسسة كحد أصول الاحتياطي العام؟
بناء على الأرقام المعلنة سواء الواردة بالتصريحات أو التي أشارت إليها التقارير الاقتصادية، في رأيي أن تقييم بعض الأصول لم يكن دقيقا، كما لم يتبين أنها تمت وفقا للقيمة السوقية في وقت الشراء كما قيل، وإنما كان التقييم وفقا للقيمة الدفترية، فالقيمة المذكورة بالنسبة لمؤسسة البترول الكويتية في حقيقة الأمر تمثل رأسمال المؤسسة عند تأسيسها بموجب المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 1980 والذي يبلغ مليار دينار، وقد تمت زيادته ليبلغ 2.5 مليار دينار بموجب القانون رقم 54 لسنة 1982.
لذا، وفي رأيي لم تكن صفقة التبادل المتعلقة بالمؤسسة والمبنية على البيع والشراء - حسب ما زعم - صفقة عادلة لصندوق الاحتياطي العام، وندلل على ذلك لو قارنا القيمة السوقية لبعض الشركات البترولية العالمية لوجدنا الفرق الشاسع في تقييمها سوقيا، وفيما يلي القيم السوقية التقريبية لتلك الشركات وفق بعض التقارير الصادرة في عام 2019 (أرامكو 1.7 تريليون دولار، شل 225 مليار دولار، إكسون موبيل 228 مليار دولار، توتال 141 مليار دولار، بي بي 126 مليار دولار، شيفرون 221 مليار دولار).
من جانب آخر، هناك تساؤل قانوني مستحق يتعلق بهذه المسالة، وهو هل يتطلب مثل تلك الصفقة (البيع والشراء) الى موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار فقط، أم يتطلب موافقة مجلس الأمة المسبقة؟ فكما نعلم أن مؤسسة البترول الكويتية تأسست بموجب مرسوم بقانون مصادق عليه من مجلس الأمة، وفي رأيي لا يمكن التصرف بالمؤسسة كأصل سواء تبادلا أم بيعا إلا بذات الأداة التشريعية.
وهناك مسألة قانونية أخرى تتعلق بأرباح المؤسسة، فبموجب المرسوم بقانون إنشاء المؤسسة فإن أرباحها المتبقية بعد استقطاع نسبة الاحتياطيات تؤول الى الخزانة العامة للدولة والمتمثلة بالاحتياطي العام، ففي ظل الإجراءات التي تمت بين الصندوقين السياديين سواء كان ذلك تبادلا أو بيعا وشراء في رأيي لا يمكن تحويل أرباح المؤسسة الى احتياطي الأجيال إلا بقانون في هذه الحالة.
وفي حال فرضية الإبقاء على تحويل أرباح المؤسسة للاحتياطي العام التزاما بمرسوم قانون إنشاء المؤسسة، فإن هذا الإجراء أيضا في رأيي يتعارض مع أحكام المرسوم بقانون رقم (106) لسنة 1976 في شان احتياطي الأجيال القادمة وتعديلاته والتي لا تجيز أخذ أي مبلغ من هذا الاحتياطي إلا بقانون، باعتبار أن المؤسسة أصبحت أحد أصول احتياطي الأجيال.
لذا، يتطلب الأمر تقييم هذا الموضوع من جميع جوانبه المالية والفنية والقانونية، نظرا لأثره المادي على المراكز المالية والقانونية للصناديق السيادية المعنية وذلك لمزيد من الشفافية.
فهذا ديوان المحاسبة قد أبدى ملاحظاته على هذا الموضوع من خلال تأكيده على غياب نظم وإجراءات الحوكمة في وقت اتخاذ قرار مبادلة الأصول فيما بين الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة، وتجدر الإشارة الى أن هناك تقارير أخرى تشير إلى إعادة إثارة موضوع مديونية مؤسسة البترول للخزانة العامة عن أرباحها المحتجزة، لذا كيف سيتم التعامل مع هذا الموضوع في ظل عملية البيع أو التبادل التي تمت بين الصندوقين؟
بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com