يحكي أحد أثرياء الصين بالعصور القديمة أنه وأثناء تفقده لأملاكه الزراعية المترامية الأطراف مر بجانب رجل فقير رثّ الثياب تبدو عليه آثار الشقاء والبؤس فوقف عنده يستعلم عن حالته، فبدأ الفقير يصف حظه العاثر وعدم تمكنه من إيجاد ما يسد رمقه ويستر جسده، فتأثر التاجر، وقال للفقير أنا لن أهبك مالا ولكني سأعطيك فرصة لتكسبه بنفسك، إننا في أول الصباح والسوق مازال مفتوحا فاذهب إلى أي جزء من مزارعي واختر ما شئت من الثمر، اجمعه واذهب لبيعه لعلي بذلك وضعت قدمك عند أول خطوات العمل.
استبشر الفقير وشكر التاجر ودخل البستان ليختار من الثمار ما لم يحلم أن يتذوقه وبدأ يجمع ويجمع ويجمع ما لم يستطع على حمله إلى أن انتصف النهار و(عزل السوق) وجاء ناظر المزارع وأخرج الفقير.
لأنه لم يعرف حدا للكفاية، لم يتحكم في نفسه حتى افترس الطمع فرصته في النجاح فأصبح كالعطشان يغرف من الماء فلا يرتوي، ومثل صاحبنا الفقير كثر لا يستطيعون أن يقولوا اكتفيت.. شبعت.. بس.. خلاص، وإذا قالوها لا تكون بوقتها المناسب فقليل منا من يملك الإرادة لقول اكتفيت للمال والثراء والمنصب والجاه.
لا الطموح ولا النجاح لهما سقف وكل يريد أن يصيب حظه منهما فلا ضير في ذلك ولكن الضير أن تكون أسير نجاحك وفريسة لطموحك فتصبح ظمآنا يلحق سرابا يحسبه ماء وما هو ببالغه حتى تصبح كالنملة التي ركبت ظهر فيل تتجه شرقا بينما الفيل يتجه غربا ولن تصل إلى مبتغاها مادامت على ظهره وكذلك لن يصل إلى راحته النفسية والعقلية والبدنية من لا يستطيع ان يختار ما يكفيه ثم يقول نكتفي بهذا القدر.
لقد أصبحت عندي قناعة كبيرة أننا محاطون أينما ولينا وجوهنا بأناس هم أقرب للسناجب التي سخرت جل نشاطها وحيويتها وتفني عمرها كله في قطف وتخزين البندق بكميات أكبر بكثير من قدر حاجتها.
أدام الله من تحرر من قيد طمعه ولا أدام من لا يعرف الشبع في كل شيء.