من أجمل قصائد شاعر المهجر جبران خليل جبران قصيدة أعطني الناي وغني والتي تغنت بها السيدة فيروز وأجادت كعادتها.
لقد استوقفني شطر من القصيدة يقول فيه «هل تخذت الغاب مثلي منزلا دون القصور» والقصيدة بمجملها رائعة ولكن هذا المقطع جعلني أتأمل في أمر مختلف تماما عما قد عناه الشاعر الكبير.
وحتى يصل مضمون هذه المقالة إلى القراء الأعزاء دعوني أتخيل قصة طفل سكن في قصور منيفة وفي فمه ملعقة من ذهب ودرس في مدارس خاصة ثم تخرج من الثانوية ليلتحق بكبرى الجامعات الأجنبية ويحصل على شهادة الإجازة الجامعية ليلحقها بالماجستير ثم الدكتوراه وهو بالخارج لا يأتي إلا بالمناسبات حتى اكتمل عقد تعليمه وصار لزاما علية الرجوع إلى وطنه ليجد وظيفته أمامه في شركات عائلته إلى ان يتم استدعاؤه ليلتحق بركب الوظائف الحكومية ليصبح وكيل وزارة أو وزيرا في نهاية الأمر.
كل ما سردته قد يحصل ولا غبار عليه فالعلم يرفع مقدار الأشخاص اجتماعيا وأدبيا ثم يأتي دوره في إصدار قرارات وزارية تجعل من الالتزام بها ثقلا يضاف إلى ثقل عامة الناس البسطاء، لم لا وهو لم يقف في طابور معاملات ليجد أن نقصا في أوراق معاملته يحول دون إتمامها، أو يجد نفسه في زحمة مرور خانقه لا يستطيع الإفلات منها أو يذهب إلى سوق ويجد أن أسعار اليوم تضاعفت عن سعر الأمس أو انتظر بيتا حكوميا حتى اشتعل الرأس شيبا.
هو لم يعش مع بسطاء الناس ليلتمس همومهم ولم ينزل إلى الشارع ليرى كيف تدار الأمور على الواقع وليس كما زينه له مستشاره أو من يدورون بفلكه.
هو لم يتخذ الغاب منزلا دون قصوره وشاليهاته ولا أريد له ذلك، وكل ما أريده أن يحس بمعاناة الناس ويضع نفسه في مكانهم حال إقراره اللوائح والنظم حتى لا يكون بمعزل عن مجتمعه.
قد التمس عذرا لصاحبنا لأنه لم يخالط الناس بالشارع ولا اعفيه من مسؤولياته الأدبية ولا الأخلاقية ولكني لن أعذر من كان بسيطا في حياته إلى أن وصل إلى كرسي مسؤولية وبدا يتصرف كبطل قصتي التخيلية وجعل بينه وبين ناسه وأهله سدا من خلفه سد آخر كأن الكرسي اظهر معدنه الحقيقي أو كأنه يملك قناعين استخدم السيئ منهما حال جلوسه.
أدام الله من عرف حق الناس، ولا أدام من سكن برجا عاجيا ليرى الناس من فوق فقط.