قرأت ذات مرة أن ملكا من ملوك الهند طلب من أحد حكمائه أن ينقش له عبارة على خاتم الحكم، يقرؤها ويضحك إن كان مهموما ويحزن إن أسعدته الأيام فكتب الحكيم «هذا الوقت سيمضي».
من تمعن في هذه العبارة وتفكر بها جيدا فستتغير نظرته إلى كل ما يدور في فلكه وتتحول مفاهيمه إلى الأحسن وأنا أقول الأحسن لأنني مقتنع تماما بأن حياتنا أشبه بمن ينظر من خلال مجهر أو ميكروسكوب، فالعين التي تلاحظ وتدون وتكتسب خبرة وتحلل وتقرر والمجهر هو الأداة التي يعول عليها ويستخدمها الإنسان كالحكم والمواعظ والقصص التي يسمعها او التي يكون هو البطل فيها والتجارب التي تصقله أو قد تنهكه.
أما الشريحة أو العينة التي ننظر إليها تحت المجهر فهي حياتنا ومجتمعنا ومحيطنا أو حتى طريقة تفكيرنا وتعاملنا مع الناس فكلما اكتسبنا خبرة أو معرفة أضفنا عدسة جديدة إلى المجهر وبدأنا نرى الشريحة أكثر وضوحا وإدراكا.
أقول إن الوقت سيمضي لا محالة فمن يركن إلى الجمود هو كالظمآن يحسب السراب ماء فيتبعه وما هو ببالغه والجمود هنا هو الاعتقاد ان السرور دائم والحزن دائم والغنى والفقر والمنصب والإقصاء والعز والعوز والصحة والسقم وكل المتضادات دائمة وهو أمر لا يستقيم مع العقل ولا المنطق ولا شريعة الخالق جل وعلا بأن جعل كل شيء متحولا ومنتهيا إلا وجهه سبحانه.
أقول إن الوقت سيمضي لا محالة ولكنه من عمرك فلا يحق لأحد ان يستغلك لمصلحته فلم يخلقك ربك لكي تكون فقط بلسما لجروح غيرك ومضادا حيويا لمعالجة مشاكل الآخرين بل لا يصح ان تقول ان الوقت سيمضي إن اضطررت أن تتواجد مع من هم لا يعبأون بك ولا بوجودك فلابد أن تحترم كيانك وشخصك ووقتك الذي لن يعوضك أحد دقيقة منه فلم أسمع من قبل أن أهدى أحد يوما من عمره لصديق او قريب او حبيب.
أقول إن الوقت سيمضي لا محالة فلابد لك أن تعيشه بصدق مع نفسك ومع الآخرين فلا تساوم على صحتك ولا تساوم على وقت جعلته لعائلتك والقريبين منك فمهما حاولت أن توقد أصابعك العشر شموعا لتنير دروب الناس فستجد من هو لا يحبك ولا يقتنع بك بل لا يراك سوى وقت عابر سيمضي.
أدام الله من عرف حق الوقت في نفسه وأهله ولا أدام من اعتقد أن الوقت متوقف عنده لا يتحرك.