منذ أن شاء الخالق، عز وجل، أن تبدأ الحياة على الأرض خلق معها أسباب ديمومتها وبقائها الى حين يعلمه سبحانه، ثم ألهمنا الخالق إدراكا وحاجة لأهمية التواصل الاجتماعي الذي لولاه لما ارتقت الحياه وتطورت. والتواصل الاجتماعي اساسي يجب على الإنسان ممارسته، إذ عليه الانسجام مع الآخرين بالبيت والمدرسة والعمل ليتقن فن الحديث وترتيب الأفكار والعبارات والجمل ويرى آثار اعماله واقواله على الآخرين، فيستمر بها ان كانت ايجابية ويحيد عنها ان لم تكن كذلك.
ومنذ نشأة الخليقة كانت لغة الجسد هي اول واهم مكونات هذا التواصل الاجتماعي حتى بدأ الانسان يعتمد على الكلمات كوسيلة تواصل، الا ان لغة الجسد كانت وما تزال حاضرة دائما، وقد يكون من الطريف ان اذكر هذه المعلومة عن دراسة قام بها عالم النفس البرت مهربيان والذي اكتشف أن 7% فقط من الاتصال يكون بالكلمات و38% بنبرة الصوت و55% بلغة الجسد، ولو اختلفت الكلمات ولغة الجسد فإن الانسان يميل الى تصديق لغة الجسد، ولكنا وللأسف ضربنا عرض الحائط بكل هذه الايجابيات عن جدوى التواصل الاجتماعي الجسدي واستعضنا عنه بالتواصل الاجتماعي الرقمي كالتويتر والفيسبوك وغيره من آفات العصر الحديث التي جعلتنا نبدو كالربوتات، فما ان يبدأ اغلبنا باستعمال المنصة التي ينطلق منها للعالم الافتراضي حتى يصبحوا اسرى للشبكة العنكبوتية تلعب بهم كيفما تشاء وتبدأ بنسج خيوطها مستعدة لالتهام افكارهم ووقتهم وجهدهم ومالهم، بل سرقة حتى براءة الاطفال وصحتهم وقدرتهم على التواصل مع الآخرين بطريقة صحية.
فأنت ان دخلت ديوانية وجدت اكثر روادها يردون السلام مطأطئين رؤوسهم، وان دخلت الى بيتك وجدت أطفالك وزوجتك في عالم آخر كل بما كسبه من شبكته العنكبوتية رهين، حتى اصبحنا لا نعرف كيف نتواصل مع بعضنا الا من خلال الرسالة الالكترونية او الرسالة القصيرة، والثبور والمأساة ان انتهى اشتراك النت او نفدت بطارية التلفون، فيكاد الكبير يبكي قبل الصغير الى ان ترجع الأمور الى نصابها لتبدأ حياته المليئة بالانعزالية والعقد النفسية ويبدأ الطفل كذلك بمزاولة نشاطه بالانغلاق على نفسه حتى اصبح اطفالنا لا يستطيعون رد السلام بطريقة صحيحة ولكم ان تتأكدوا بأنفسكم من صدق كلامي.
لقد بات جليا ان ما يعانيه اغلبنا من عدم القدرة على تحمل الآخر انما هو من اعتقادنا ان تواصلنا الافتراضي يغني عما دون ذلك ولكني اقول انه حتى نشبك صح ونتواصل مع بعضنا لابد ان نفصل.
ادام الله من أعطى كل شيء حقه ولا ادام من ارتضى ان يكون عبدا لأوهام شبكته العنكبوتية.