المسجد الأقصى إرث المسلمين، ويتحتم علينا رعايته وملازمة صونه والدفاع عنه، فهذا ليس خيارا محيرا بل واجب نصرته بما هو مباح ومتاح، فكم من دماء طاهرة سالت من أجل نصرته والذود عنه، وكم جرائم اقترفها اليهود والصهاينة هناك، وكم اغتصبوا أراضي محيطة بالأقصى وزوروا التاريخ وغيروا معالمه، وكم وقع على المقدسيين من ظلم شديد! فأين المتشدقون بحقوق الإنسان؟ وأين المتحدثون عن احترام المقدسات؟
فكم هو مؤلم ومحزن ومبكٍ أن تمنع الجمع والجماعات، ويمنع الأذان، ويدخل الصهاينة ليدنسوا المسجد الأقصى المبارك مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم بذلوا من أوقات وأموال وتزوير مسوغات واهية لطرحها في الإعلام من أجل منع المسلمين من الصلاة، وطرحوا نبوءات كاذبة وكتبا محرفة، وسعوا -وما زالوا- لهدم الأقصى من خلال حفرياتهم وأنفاقهم تحته، ليبنوا مكانه الهيكل المزعوم.
فلا يليق بالأمة أن تغرق في خلافات جانبية ونظرات إقليمية أو أنانية على حساب مصالح الأمة الكبرى، وليس للأمة خيار إلا أن تتحول في مواجهة الأطماع الصهيونية التوسعية والاحتلالية وتهجير الأسر ظلما وزورا.
إن أرض الإسراء أرض المحشر والمنشر والمكان الذي عظمته الملل وأكرمته الرسل، وتليت فيه الكتب (الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن)، وهي ربوة مباركة ذات قرار ومعين وأولى القبلتين وقبلة الأمة 17 شهرا، وبوابة السماء، وميراث الأجداد، ومسؤولية الأحفاد، ومعراج سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وعهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو ثاني مسجد وضع في الأرض لعبادة الله -تعالى- بعد المسجد الحرام، وكان بينهما 40 سنة، وتشد إليه الرحال والصلاة فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه، إنها أرض الملحمة الكبرى ونزول عيسى -عليه السلام.
فأول سقوط للقدس على أيدي الصليبيين كان في عام 492ه، حيث سلم القائد الفاطمي (افتخار الدولة) -أخزاه الله- القدس ودفع أيضا مبلغا من المال للقائد الصليبي (ريموند) مقابل الإبقاء على حياته وحرسه الخاص وترك الصليبيين يذبحون أهل القدس، قتلوا بالمسجد وحده ما يزيد على سبعين ألفا، وحولوا مسجد الصخرة إلى كنيسة، ونصبوا فوق القبة صليبا كبيرا، حتى قيض الله للمسجد الأقصى المبارك القائد صلاح الدين الأيوبي لتحريره وإعادته إلى أحضان الأمة، وكان ذلك يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب عام 583هـ، واستمر في يد المسلمين حتى ظهرت الخيانات مع المؤامرة الدولية لإيجاد وطن لليهود في فلسطين وإسقاط الخليفة السلطان عبدالحميد الثاني عام 1922، وهكذا حتى كانت حرب 1967م، احتل الصهاينة الجزء الشرقي للقدس وأقاموا فيه الرقص والغناء والحفلات الماجنة، وقاموا بإحراق الأقصى عام 21-8-1969م، واستبسل أهل القدس لإطفائه، والأمة فيها الخير، والنصر قادم لتحرير الأقصى لا محالة (ألا إن نصر الله قريب).
وفي الحديث: «لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يقول الحجر وراءه اليهودي يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله»، ووعد الله - تبارك وتعالى- أهل الإيمان بالتمكين، فقال: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا).
وهذا لا يمكن إلا بالعودة إلى ديننا وإلى عقيدتنا وإلى وحدتنا وإخوتنا واللجوء إلى الله -عز وجل-: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، وقال -سبحانه-: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا).