باسل الجاسر
في الوقت الذي يتطلع فيه المجتمع الدولي الى المزيد من الخطوات باتجاه زيادة مساحة الديموقراطية وتكريسها لتتطور المجتمعات سلميا في العالم الثالث وعلى وجه الخصوص في الشرق الأوسط للوصول لأنظمة ديموقراطية تناسب عادات وتقاليد هذه المجتمعات، وقد رأينا بعض الخطوات الفعلية في بعض دول الجوار القريب والبعيد، في هذا الوقت تخرج علينا حكومتنا الموقرة بقرار عجيب وغريب لا يتماشى البتة مع سياقات المرحلة التي يشهدها العالم ومنطقتنا على وجه الخصوص من تقدم وان بخطوات بطيئة نحو الديموقراطية، والقرار العتيد هو الذي صدر عن مجلس الوزراء والقاضي بمنع النقابات والاتحادات العمالية من حق الاضراب بالرغم من ان الحكومة قامت بالتوقيع على العديد من العهود والمواثيق الدولية التي تكفل حق الاضراب والاعتراض للهيئات العمالية؟ ويبدو ان هذا القرار قوي والحكومة جادة في تنفيذه وهذا ما يؤكده قرار وزير المالية الذي أمر ادارة الجمارك باتخاذ العديد من الخطوات العقابية بحق نقابة العاملين بالجمارك «صحف صباح 12/12» وواقع الامر ان مثل هذه القرارات الانفعالية غير المدروسة ستجعلنا كوطن وشعب نغرد خارج السرب الدولي، وستضعنا في اطار الخارجين على العهود والمواثيق الدولية التي وقعنا عليها وسيزيد الحرج ويتعاظم ويوثق الخروج عندما تقوم هذه النقابات بتقديم شكوى رسمية تشكو فيها الحكومة لدى هذه الهيئات الدولية «وهذا حق مشروع لهذه النقابات يؤيدها فيه كل منصف بل اني ادعوها للقيام به في حال لم تتراجع الحكومة عن تعسفها وان كنت اتمنى عليها التمهل عسى ان تفيق الحكومة من غفلتها» ان المطلوب من الحكومة ان تتراجع، فمثل هذه القرارات لا تعبر عن قوة كما ان القوة ليست مطلوبة في مواجهة الشعب اصلا، ولعل محاسن الصدف جعلت هذا القرار يصدر متزامنا مع اضراب قام به العمال في فرنسا شل وسائل النقل فيها، مما جعل حكومة دولة فرنسا العظمى «وأضع أكثر من خط تحت العظمى» وهي دولة عظمى قولا وفعلا تتراجع امام هذا الاضراب وهذه النقابات للتفاهم وايقاف الاضراب وفعلوا مؤقتا ولم نر او نسمع الحكومة الفرنسية تهدد او تتوعد او تتخذ اجراءات عقابية، لذلك فإنني أتمنى على حكومتنا الموقرة وأدعوها للتراجع بأسرع وقت ممكن، فالرجوع للحق فضيلة فلا تحرجونا أمام الهيئات وأركان المجتمع الدولي الذي كان نعم النصير بعد الباري عز وجل لاسترداد حريتنا وحقوقنا الوطنية التي كفلتها لنا أيضا العهود والمواثيق الدولية.
وفي هذا المقام اثار استغرابي بل استهجاني ذلك الصمت المطبق الذي سيطر على الساحة السياسية، بالرغم من كون القرار يعتبر وبكل المقاييس تراجعا ونكوصا ديموقراطيا خطيرا، كما انه يتعلق بجميع الكويتيين الذين عملوا او الذين يعملون الآن او الذين سيعملون بالمستقبل؟ كما أثار استغرابي بحق تفاعل وزير المالية السريع مع انه يعتبر ليبرالي التوجه يجب عليه الدفاع عن حقوق العاملين بالوزارة لا معاقبتهم ان طالبوا بحقوقهم وبالختام يبقى السؤال الذي يجب على الحكومة الاجابة عنه بصدق وأمانة قبل المنع والاجراءات العقابية وهو هل مطالبات النقابات والاتحادات محقة وعادلة؟ وان كانت كذلك فأجيبوها، اما ان كانت غير ذلك فأين وزير العمل من مواجهتها بالحجة والمنطق السوي؟