باسل الجاسر
حركة المقاومة الإسلامية حماس هي فرع لحركة الإخوان المسلمين في فلسطين، أسسها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله أثناء وبعيد انتفاضة الحجارة أواخر الثمانينيات، وعلى مدى هذه السنين التي قاربت العقدين مثلت أبرز المعارضين لاتفاقات اوسلو بين الفلسطينيين بقيادة فتح والحكومة الاسرائيلية، واتفاقات أوسلو هي التي مهدت الطريق لولادة السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي ايضا سبب استمرارية وجودها على اعتبار ان هذه الاتفاقات هي التي توفر التمويل المادي من مال وكهرباء ووقود وما شابه، وتوفر ايضا الدعم السياسي للسلطة في مواجهة الاسرائيليين الذين اجبرهم المجتمع الدولي على القبول بها، ومع ذلك كنا نحترم معارضة حماس لاتفاقات اوسلو - وقد اعترضت عليها شخصيا آنذاك - اما وقد صارت واقعا على الارض، وتنفس فلسطينيو الضفة والقطاع صعداء بعض الاستقلال والحرية او قل الكثير منهما خصوصا في السنتين او الثلاث الاولى، فقد قلنا شأنهم، وأهل مكة أدرى بشعابها، أقول كلنا نحترم معارضة «حماس» لهذه الاتفاقات، خصوصا انهم بالداخل ورفضوا المشاركة في الانتخابات لأنهم يرفضون الاتفاقات المؤسسة عليها سواء الانتخابات الرئاسية او البرلمانية او البلدية وكان هذا يتسق مع قرارهم رفض وعدم الاعتراف بهذه الاتفاقات المؤسسة على اعتراف متبادل بين طرفي الاتفاق، اما الآن فإن الاحترام تبخر بعد ان اتضح بشكل قاطع ان المقاطعة والرفض لم يكونا قرارا وموقفا مبدئيا وانما كان قرارا تكتيكيا محضا لا علاقة له بالمبادئ او القيم على اعتبار انهم لو شاركوا بالانتخابات التالية مباشرة بعد توقيع اتفاقات أوسلو لما حققوا نتيجة قوية بل لظهر حجمهم الحقيقي الذي لا يتعدى حجم اي فصيل عادي من الفصائل الموجودة على الساحة الفلسطينية وازاء هذا الوضع قرروا الانتظار لأكثر من عشر سنوات عملوا خلالها بكل ما أوتوا من قوة لجمع السلاح وجمع المحاسيب وجمع الأموال والعمل على إضعاف السلطة بكل الوسائل في السر والعلن وإضعاف الموقف التفاوضي للسلطة بحجة الجهاد المقدس، «وبطبيعة الحال لم يكونوا يستهدفون السلطة كسلطة وانما كانوا يستهدفون القابض على السلطة»، الى ان اتت اللحظة المناسبة عندما وجدوا التذمر والتململ الشعبي على حركة فتح واهتزاز ثقة الشعب الفلسطيني بالعملية السلمية جراء عدم قدرة السلطة على الإيفاء بالتزاماتها، وهذا الوضع كان لحماس الدور الرئيسي فيه، الأمر الذي مثل طوق النجاة تحديدا لشارون للتملص والتضييق بل خنق الشعب الفلسطيني من خلال اجراءات العقاب الجماعي من اسوار امنية ومنع مئات ألوف العمال الفلسطينيين من العمل داخل اسرائيل.
وفي هذا الوقت الذي تعالت فيه أنات الشعب، اتخذت «حماس» قرارها بالمشاركة في الانتخابات التشريعية وركبت حصان الديموقراطية ورفعت شعار التغيير «الذي توقعه الشعب تغييرا للأفضل» واكتسحت الانتخابات فشكلت الحكومة (أي حكومة السلطة الوطنية) المؤسسة كما أسلفنا على اتفاقات أوسلو التي مازالت حماس ترفضها وترفض الاعتراف بها، كيف يكون ذلك؟ ومع ذلك وببجاحة قل نظيرها قامت حماس ومطبلوها وإخوانهم هنا وهناك يطالبون المجتمع الدولي بالاعتراف بحماس كممثل ديموقراطي للشعب الفلسطيني وأن يتعاملوا معها كما هي، وكما تريد وبعيدا عن اتفاقات أوسلو مع الإبقاء على الأموال والتسهيلات والدعم السياسي الذي تمنحه اتفاقات أوسلو للجانب الفلسطيني الذي لا تعترف حكومته بأسلو وستقضي على اسرائيل (باللسان طبعا) ما أعطى اسرائيل ذريعة الذرائع المزدوجة للخلاص من التزاماتها ومن ضغط المجتمع الدولي وفي نفس الوقت فرصة ذهبية للتنكيل بالفلسطينيين دون حسيب، ومازالت «حماس» تتحدث عن طرد اسرائيل وهزيمتها ولو كانوا يملكون نصف او ربع مقومات وامكانات هزيمتها لقلنا هناك شجاعة، إنما يتحدثون هذا الحديث وليس عندهم الا بعض الصواريخ المتخلفة ولسان طويل يثرثر دون أفعال ويحتمون بمعاناة هذا الشعب المظلوم، فهذا ورب الكعبة ما هو إلا المتاجرة الرخيصة بمعاناة الشعب وهو فعلا بطولات كارتونية هزلية وعبثية، المهم ان «حماس» بعد تشكيل الحكومة بدأت تنقلب حتى على السلطة الفلسطينية فرغم ان تبعية القوى الأمنية لرئاسة السلطة إلا انهم ارادوا الاستيلاء عليها وعندما عجزوا أنشأوا قوة أمنية خاصة بهم، وزادت الخلافات وتعطل العمل وحوصرت الحكومة دوليا وعجزت عن دفع رواتب موظفي السلطة وبدلا من ان تقوم الحكومة بواجبها تجاه الشعب طلب رئيسها اسماعيل هنية من الشعب ان يأكل «زيتا ودقة»، وبسبب اعتقالات اسرائيل للكثيرين من اعضاء المجلس التشريعي واكثرهم من حماس، الأمر الذي أفقدها الأغلبية، أوقفت المجلس عن الانعقاد، رئيس السلطة والنواب يطلبون انعقاد المجلس فيغيب نواب حماس فيطير النصاب، حتى تعطل المجلس التشريعي تماما، يطلب الرئيس استفتاء فيرفضون، يطلب انتخابات مبكرة فيهددون ويتوعدون، وبعد قليل أعلنت «حماس» الانقلاب التام وطردت وقتلت القوى الأمنية التابعة للسلطة واستقلت بقطاع غزة، باختصار لقد جاءوا على حصان الديموقراطية وانقلبوا عليها وعلى القانون واختطفوا غزة وشعبها وجعلوها وشعبها محاصرين محرومين وعن العالم مقطوعين، وصار الزيت والدقة شحيحين، وحماس وحكومتها مازالتا متشبثتين بالسلطة وتقيمان المهرجانات الخطابية وتطالبان شعب غزة بالصمود، وتطالبان العرب والعالم بالتدخل لوقف الاعتداءات الاسرائيلية التي تأتي كرد على صواريخهما.
وللموضوع بقية نعرضها على حلقتين الاولى سنخصصها لأسباب فعل حماس لهذه المغامرات والحلقة الثانية سنستخلص فيها الدروس والعبر.