يعتقد الكثيرون أن هبوط أسعار النفط جاء نتيجة عملية تآمرية أميركية، وهذا اعتقاد خاطئ 100% ذلك أن أميركا من الممكن ان تتآمر، وخصوصا في ظل سطوة المحفل الماسوني على مكامن القرار في واشنطن فيما يتعلق بحماية إسرائيل، ومؤخرا في تنفيذ مخططاتها لتدمير أعدائها في الشرق الاوسط، ولو كانوا من حلفاء اميركا الاستراتيجيين وعلى حساب مصالح أميركا وشعبها، كما حدث في مؤامرة ما سمي بالربيع العربي، وفي دعمها لارهابيي داعش وتحطيم كل من يتصدى لها، كما حدث مع الاكراد في الايام القليلة الماضية.. أما بالنفط فهذا محال فأميركا من كبار منتجي النفط فهي تنتج 9.5 ملايين برميل يوميا فهل يعقل ان تتآمر اميركا لضرب شركات النفط الاميركية.؟
والواقع ان هبوط أسعار النفط هو أمر طبيعي نتيجة زيادة العرض على الطلب.. فأميركا زاد إنتاجها خلال السنوات الثلاث الماضية 3 ملايين برميل جاءت من انتاج النفط الصخري، وهو انتاج خارج نطاق أوپيك وكانت تتمنى ان تسعدها أوپيك بخفض الانتاج لتستوعب السوق العالمية زيادة انتاجها بما لا يؤثر على اسعار النفط، الا ان أوپيك بقيادة المملكة العربية السعودية، وروسيا من خارج أوپيك استوعبت الضرر الذي سيقع على دولها في حال دفعوا ثمن المحافظة على أسعار النفط فوق الـ 100 دولار للبرميل، لأنه سيؤدي لتوسع الشركات الاميركية في إنتاج النفط الصخري الذي ضخت فيه اكثر من 500 مليار دولار وبدأت تستعد لانتاجه في كندا والمكسيك.. والحمد لله الذي ألهم السعودية وروسيا بأن تتصديا للضغوط التي مورست لخفض الانتاج، فلو خفضوه لخسروا زبائنهم وفي الوقت ذاته لتحققت مصلحة هذه الشركات الأميركية من خلال المحافظة على اسعار النفط لمدة سنة او سنتين، ولكن بعدها سيتضاعف انتاج النفط الصخري من جديد، وعندها هل تتوقف هذه الدول عن انتاج النفط وهي تعتمد عليه كمصدر رئيسي للدخل الوطني..؟ فاتخذوا القرار الصائب بترك الاسعار تتحرك وفق نظرية العرض فحدث المتوقع وهو نزول الاسعار لما نشاهده اليوم تحت الخمسين دولارا، وأتوقع ان تصل الأسعار لما دون الـ 30 دولارا قريبا.
ولكن من المتضرر اليوم؟ فإن كانت دول تتألم، فإن أميركا وشركاتها تتألم أضعاف ذلك.. فدول أوپيك لاتزال تنتج النفط وستستمر، بيد أن شركات النفط الصخري بدأت تترنح فقد تم إغلاق اكثر من 60% من منصات الانتاج، وصرفت النظر عن الإنتاج في كندا والمكسيك وعند بلوغ الاسعار لحدود الـ 40 دولارا سيتم وقف انتاج النفط الصخري لعدم جدوى الانتاج الذي يكلف البرميل منه، كما قيل في البداية 50 دولارا وتم تخفيضها لـ 40 وبعدها لأقل من ذلك، وان كنت على ثقة بأن هذه التخفيضات تأتي في اطار الحرب النفسية للضغط على أوپيك لخفض الانتاج.. وفي الطريق أخذت شركات انتاج السيارات تتراجع عن خططها لاطلاق السيارات العاملة بالطاقة الكهربائية، ناهيك عن وقف كل الدراسات والابحاث المتعلقة بإيجاد مصدر بديل للنفط فأسعاره اليوم معقولة ولا تستحق البحث عن بديل له..
لذلك أقول كان قرار أوپيك باستمرارها في إنتاج حصصها بقيادة السعودية كان قرارا صائبا وحكيما ولم يأت في اطار مؤامرة أميركية او ما شابه، كما اعتقد وروج البعض وانما كان قرارا وطنيا جريئا للحفاظ على المصالح الوطنية وكان اهم واكبر ضحاياه هي شركات اميركا المنتجة للنفط الصخري.
ويبقى الأهم وهو ضرورة ان تدرك الدول المنتجة للنفط أن استمرار ارتفاع أسعار النفط سيغري الشركات والدول للبحث عن مصادر بديلة للنفط، الأمر الذي يوجب عليها ان تضخ استثمارات كبرى في انتاج مشتقات النفط، فهو من جهة يقلل من المعروض في السوق العالمية، ومن جهة اخرى يعظم من مداخيل هذه الدول مما لو صدروا النفط خاما.. وهذا ما طالبت به حكوماتنا المتعاقبة هنا ومنذ سنين طوال.. فهل من مدكر..؟
[email protected]
baselaljaser@