لا يمكن أن تتخلى الكويت مطلقا عن مبادئها، ولا تتنكر لقيم الواجب تجاه أمتها، ولا تقف موقف المتفرج عند اشتداد الخطب بالإنسانية، بل ترى فزعة قوية، وعزما أشد، وهذه المعاني الكريمة، هي غرس أصيل يستلهمه الخلف عن السلف، وروح تشربت الوفاء من منابعه الرقراقة صافيا دون كدر، هو امتداد إرث عريض في العطاء، كان قدر الكويت أن تكون منه دون تراجع، تلك بضاعة شعبنا الكريم الذي دأب أن يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.
ولعل فيما تعيشه الإنسانية هذه الآونة من أوجاع كارثية لهزات أرضية عنيفة بالشقيقتين تركيا وسورية، أودت بحياة الآلاف، وخلفت عشرات الآلاف من الجرحى والمشردين الذين باتوا لا مأوى لهم ما يدعو إلى الأسى، ويبعث على الحسرة، فما بين عشية وضحاها أبيدت عشرات المدن لتتساوى بالأرض كأن لم تكن.
وما تزال فرق الإنقاذ من مختلف العالم تواصل جهودها، تصل الليل بالنهار في رحلة البحث عن الناجين بين الركام، وبالتوازي تقوم الأطقم الطبية بإسعاف المصابين، وفي هاته الساعة تتسارع النداءات الأممية للجمعيات الخيرية، والمنظمات الإغاثية والفرق التطوعية للقيام بدورها، خاصة في ظل أجواء الطقس القاسية التي تتعرض لها هذه البقعة المنكوبة من الأرض.
ولقد كان لفزعة الكويت التي اطلقتها بمبادرة شخصية كريمة من صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله ورعاه، أثرها الطيب ومردودها الإنساني المتوقع، لتضع الكويت وكياناتها الخيرية وفرقها التطوعية في طليعة الدول التي لبت نداء الواجب، فلحقت بركب المساعدات منذ ابتدأت الأزمة، وفي تصدر العمل الخيري الكويتي المشهد ملبيا الفزعة الوطنية «الكويت بجانبكم» لمؤازرة الأشقاء في محنتهم ما يبشر بالخير، ويضيف لمسيرته الطويلة على درب الخير والعطاء، أمينا على رسالة الكويت الخيرية وسمعتها في العالم، وقيما على أدائها حتى في أحلك الظروف.
ما أجمل الإطلالة التي رسمتها السواعد الكويتية في الداخل، التي هبت عن بكرة أبيها شيبا وشبانا، تجود عن قناعة، وتعطي عن حب، اختلطت المشاعر في لوحة إنسانية فريدة التكوين، فافتتحت المناطق المخصصة لتسلم المساعدات وتقديم التبرعات على اختلافها على طول البلاد وعرضها، وقامت وسائل الإعلام الوطنية بدورها في استثارة العاطفة لتبني موقفا شعبيا، يعلن من أرض الكويت تكاتف شعبها الوفي مع الأشقاء.
إلى الآن والمصاب لم يبرد، إلى الآن وفزعة الكويت منصوبة رايتها، مستعرة جذوتها، ملتهبة شرارتها، ماضية في طريقها المقدس تحيي الأمل تفرغ على المنكوبين من روحها وقلبها، حتى ينهض الإنسان من سقطته، تكشف عن المعدن النفيس الكامن في أعماق شعبنا، وتبرز رؤية قيادتنا الحكيمة وتعاطيها مع الأزمة، ليعلم القاصي والداني أن الكويت أصدق وعدا، وأوفى ذمة.