إسعاف المنكوبين، والتخفيف من مصاب أصحاب النوازل فرض على كل قادر، فتكاتف الإنسانية وبذل الوسع، وإظهار مشاعر التعاون وبوادر التكاتف سبب في إعمار الأرض، ومسلك حميد للقضاء على أسباب شقوة أهلها، وتحقيق أواصر سكينتها، والإنسان لا يمكنه وهو الضعيف الاستغناء عن معاونة غيره، أو إبداء الاستجابة التي تتجلى فيها رغبة، دافعها التلاحم الإنساني، فلا يخلو العالم كل يوم من أهوال من صنع الإنسان، أو يجرها عليه غضب الطبيعة، المتبدية في أشكال الزلازل والبراكين والسيول والفيضانات والأوبئة، وخلافه، وما تخلفه وراءها من ملايين الضحايا، ومثلهم من القتلى والمشردين والمنبوذين بالعراء، ناهيكم عن تجريف قاس للبنى التحتية، وتدمير للاقتصادات والموارد، حينها تصبح بين عشية وضحاها، في أمس الحاجة للمساعدة كي تتغلب على متاعبها، حينها تتداعى النداءات الإنسانية العاجلة وتتنادى المنظمات الرسمية وغير الرسمية، تساهم قدر استطاعتها في تلك الجهود.
لقد كانت مؤسساتنا الخيرية الوطنية عهدها ملبية النداء، تفزع حين يحتدم الأمر، ويتكشف الخطر، وسجلها العريض يشهد بذلك، فالشواهد الحاضرة التي كانت فيها تؤدي بقوة واجبها في العديد من بؤر المعاناة حول العالم تكفي.
دعونا نرخ للحديث العنان قليلا، حين تتحرك ماكينة العمل الخيري منطلقة تسابق الزمن، وتنشط كتائبه في جهد جهيد لا يعرف الراحة، تحشد مواردها، وتسخر طاقاتها الدعائية التي تستجلب عطف المحسنين من أهل الكويت، كي يصبح لهم دور - وهذا دأبهم - ولا يخامرني شك حين أقول من باب التحدث بنعمة الله، إن قلوب اليتامى، وأكف الأرامل، ومهج المحتاجين والثكالى، أولئك الذين التحفوا السماء وافترشوا الغبراء، قد باتوا وهم في ترقب، وعيونهم صوب الكويت ينتظرون تحركاتها الإغاثية نجدة لهم، تنتزعهم من براثن الضياع وتخلصهم خلاصا جميلا من مهاوي الهلكة، وتلك القناعة التي ترسخت لديهم ونمت، مؤتاها دأبه المتصل مذ عرف أن ذلك الصنيع الإنساني تتجلى فيه روابط الأخوة ومنابع الرحمة بين البشر، التي ترى في استدفاع المكروه، وإغاثة الملهوف، وكشف الضر عنه من مبادئها السمحة.
لقد توالت حملاتنا، وستتوالى، حاملة فوق أكتافها المكانة التي سمت بالعمل الخيري الكويتي، لأن يكون نجدة ومددا، وحنانا ورحمة، وفي المناطق المنكوبة يغرس رايته خفاقة، تعلن عن نفسها في حزم مشاريع إغاثية تحتضن الناس بردا وسلاما، تجوب قوافلها محملة بالغذاء والدواء والكساء، السهول والقفار، تؤكد في ثقة أصالة شعب الكويت وتبرز إرثه التاريخي، وتتبنى رؤية قيادتنا الحكيمة وبعد نظرها، والتي كان لتوجيهاتها الأثر الطيب في بلوغ هذه المنزلة السامية، لقد حققت حملاتنا ما تتأمله حين بلغت مبلغا عظيما، وتركت أثرا جليلا، دللت عليه سمعتها الطيبة التي اثمرت هذه الحفاوة، التي تستقبل بها في مختلف ربوع الأرض، ما اعتبر فتحا خيريا جديدا، تخط من خلاله الكويت بأحرف من ذهب مفتتح عهد جديد، سيتوقف أمامه التاريخ طويلا، ليذكره بكل امتنان.